العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ

السفير المصري يغادر محاضرة رضوان السيد غاضبا

أعتذر لسماعي كلامك...

في أمسية تحت عنوان «أطروحة صراع الحضارات والمتغيرات الاستراتيجية السياسية من 2001 إلى 2006م»، قدم المفكر والباحث اللبناني رضوان السيد ورقة بحثية، بمركز الشيخ إبراهيم آل خليفة، إلا أن المقدم الأستاذ الباحث علي الديري فقد ورقةَ تقديمه أثناء سواقته السيارة؛ ما دفعه إلى ارتجال مقدمة، مشيرا إلى أن رضوان السيد يشكل نموذج المثقف المركب؛ لذلك فنحن أمام مثقف يمكنه تفكيك الحوادث سواءٌ أكانت سياسية أم اقتصادية حتى اجتماعية.

مقولتان معروفتان جيدا، «نهاية التاريخ»، و «صراع الحضارات»، والمقولة الأولى التي وضعها في نهاية الثمانينات المفكر الأميركي فوكوياما، تركز على انتصار الديمقراطية الليبرالية على الاستبدادية الشيوعية، وهي «تصطنع بذلك فلسفة، تستند بذلك إلى طرائق ليست واضحة دائما لانجلز» كما يقول السيد، معتبرا أن نموذج نهاية التاريخ يتمثل في انهيار الاتحاد السوفياتي؛ وبذلك فقدت الديمقراطية الليبرالية خصمها الأوحد، وفي جانب آخر أغفلت هذه النظرية - كما يقول السيد - تطور الصين الشعبية؛ لأنها ركزت على انهيار الاتحاد السوفياتي فقط، وبذلك صار همها تكوين قطب أوحدي غربي، تكون على رأسه أميركا.

أما مقولة «صراع الحضارات»، فتُعنى بعقبات وعوائق تلك الأوحدية، بمعنى آخر يُكيف للولايات المتحدة أن تسود العالم من دون عوائق وعقبات، غير أن تحديدها هذه العوائق لا يستند إلى استراتيجية كما هي الحال مع نظرية فوكوياما، إذ يرى أن الصراع ما عاد صراعا استراتيجيا، معتبرا أن الصراع تحول إلى صراع بين الثقافات والحضارات الباقية، وكل هذه الحضارات سقطت وتأثرت بالحضارات الغربية، ماعدا الحضارتين الكنفوشيةَ والإسلاميةَ، إلا أن الكنفوشية تميل إلى التصالح مع الحضارة اليهودية المسيحية الغربية، بخلاف الإسلام الذي ظل وفيا لمشاكسته الغرب.

وقد نال هذه النظرية الكثير من النقد، ومن أبرز هذه الأطروحات الفرنسية منها، إذ كانت تطرح إشكال قيام حضارة على الدين، والمقولة الأخرى التي تعرضت لهذه النظرية؛ لكون الصراع يدور بين الثقافات في المنطقة الواحدة، ولا يخرج إلى صراع الحضارات، إذ كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية شاهدا كبيرا على هذا الرأي، فهما كانتا ضمن النطاق الأوروبي.

وفي نظري، إن ما يقف وراء المقولتين، هو رسم سياسة استراتيجية أميركية لما بعد الحرب الباردة كما أشار السيد، وهنا نجح هانغتنتن في ذهابه إلى كون الإسلام سيكون العقبة أمام هذه الأوحدية التي تسعى إليها أميركا، غير أن فوكوياما أخطأ في اعتبار أن الاتحاد السوفياتي شيء من الماضي، وكذلك هو الأمر مع هانغتنتن الذي اعتبر أن الأرثوذوكسية جزء من العالم المسيحي اليهودي، وأن هذا العالم استطاع أن يطويها، غير أن الأرثوذوكسية عادة فاعلة بُعيد سقوط روسيا الاتحادية.

بهذه المقدمة ونهاية العام 1980 وصل رونالد ريغان إلى الرئاسة، وقد ساهم الإنجيليون الجدد في وصوله إلى الرئاسة، وفي المقابل سمى ريغان الاتحاد السوفياتي «امبراطورية الشر»، وبذلك انطلق إلى محاربته، بحروب مختلفة وكثيرة، منها ما أطلق عليه «حرب النجوم»، ومن جانب آخر وصول البولندي يوحنا بولس الثاني إلى رئاسة البابوية، وموقفه من الشيوعية الداعي إلى هدمها ونشر الإيمان الإنجيلي، وهو تحالف مع الإنجيلية الصاعدة ضد الشيوعية، وكذلك هم المسلمون الذين انحازوا قبل الكل إلى الولايات المتحدة في حربها ضد الشيوعية، فقاتلوا الشيوعية في أفغانستان، ومصر غادرت التحالف مع الاتحاد السوفياتي العام 1973، وسورية - التي كان لها موقفها من «إسرائيل» - تحالفت مع الولايات المتحدة في دخول لبنان، وضرب منظمة التحرير فيه، وصدام الذي دخل حربا مع إيران، تعاونت معه الولايات المتحدة بقوة، فكانت الثمانينات شهدت اندفاع ثلاث ديانات كبرى، بقيادة الولايات المتحدة لإسقاط الاتحاد السوفياتي، وهي البروتستانتية العالمية والكاثوليكية العالمية، والإسلام السني الأصولي والنظامي.

ثم أشار السيد إلى أن هذا التعاون كان على خلفية، أن بعد الانتصار ستعيد الولايات المتحدة النظر، سواء أكان تجاه علاقة التبعية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية مع الكاثوليكية الأوروبية، أم الإسلام العربي بحل مشكلة فلسطين وكشمير، غير أن ما حدث هو ظهور إرادة أميركية للانفراد بالهيمنة، فظهرت قوى البابوية منذ حرب العراق، ومع وصول أميركا إلى حرب العراق الثانية خسرت جميع حلفائها، ماعدا الحليف البريطاني.

وما المشهد الحالي إلا صورة عن الثمانينات، والجديد في هذا المشهد الانقسامُ الفلسطيني، الذي لم يكن ظاهرا في وقته، وهو سبب رئيسي لتخلي أميركا عن دعم العرب في حل قضيتهم «فلسطين»، مقابل دعمهم لها في حربها، كما برزت في أدبيات العرب خطابات ضد الغرب بصورة واضحة، تارة بأخذ الحروب الصليبية نموذجا لهذا الغرب، وتارة بمفهوم صراع الحضارات، معتبرين أن الحضارة الغربية في صراع مفتوح مع الحضارة الإسلامية، وأخيرا بسبب سياسات الولايات المتحدة الداعمة لـ «إسرائيل».

وكرد فعل على هذه السياسات تحول المتحالف إلى عدو، إذ قامت البابوية بالعمل على اتحاد أوروبي يشكل ثقلا أمام حليفها السابق أميركا، وكذلك تأسست في أميركا اللاتينية أنظمة معادية لساستها؛ بسبب اكتساحها الأنظمة الشعبوية، وكرد فعل أتت محاولة هدم البرج العالمي العام 1994، وبالجبهة ضد اليهود والصليبيين كما أطلق عليها ابن لادن والظواهري في أدبياتهما العام 1998، ثم بـ «غزوة نيويورك وواشنطن» العام 2001، وأخيرا كسر هذه الأوحدية في الحرب على العراق.

ويمكن فهم المشكلات التي يعانيها الكيان العربي في أربع نقاط، المأزق الناجم عن الجمود السياسي والتراجع الاستراتيجي، مأزق اختلال العلاقة بين الدين والدولة «ظهور الإسلام السياسي»، والمأزق الثالث سوء العلاقة بين العرب والعالم، أما المأزق الرابع فالتخثر والضياع الثقافي المعنوي والحضاري، وسأقدم المسألة الثقافية، على أساس أن المشروع العربي الحديث ثقافي أساسا، غير أن المثقفين العرب كفوا عن التأثير منذ الثمانينات في الشأن العام؛ لأنهم فقدوا الثقة والمشروع؛ ولأن الإسلاميين من جهة أخرى اجتاحوا صفوفهم.

وهناك مشكلات وخسائر كبرى في الجانب السياسي بالنسبة إلى العرب، منها العجز عن التغيير، وتفاقم المسافة بين الناس والأنظمة، وتضاؤل معنى الدولة والقانون، الفشلان الاقتصادي والتنموي، بمعنى أن هذه الدول لم تنجز ما تنجزه الدول العادية لشعوبها، وكل ذلك في أخطر مرحلة من مراحل القرن الماضي، وهي الثمانينات والتسعينات، وما زاد الوضع سوءا حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، وهي في الأساس حرب على العرب والمسلمين، وبذلك تكون الخسارة الاستراتيجية كامنة في سقوط الدولة العراقية.

وبذلك ومنذ العام 2001، اجتمعت على الأنظمة العربية عللٌ خمس بسبب اعتبارها بيئة الإرهاب وأصله، إما لعجزها عن ضرب الأصولية، وإما لافتقارها إلى الديمقراطية كما يقول الأميركيون، والعلل الخمس هي: الانقسامات الداخلية وأبرز أسبابها العامل الإسلامي الجديد، وقلة الكفاءة في إدارة الشأن العام، وتراجع آليات التغيير السلمي وممارساته، وحصار الولايات المتحدة، واستنزافها، وغياب المشروعات والقيادات العربية الكبرى، ومع تضاؤل مشروع مصر وقياداتها في الستينات، وصولا إلى خروجها من المسئولية العربية، وليس من البؤس العربي، ولم تظهر قيادة عربية مسئولة عن حل الأزمة، وما حدث هو التنافس بين سورية والعراق على الرئاسة؛ ما دفع الأمور إلى مسألة حفظ النظاميين من جهة، ومن جهة أخرى المقاولات مع النظام العالمي، وقد يبدو أن الأوحدية الأميركية تنكسر بدخول السعودية على خط قضايا الأمة، مثل: قضية فلسطين، وإن اعتبر ذلك أخذا لملفات استلبها آخرون.

وبسبب غياب حل لهذه المشكلات العالقة، برزت مشكلتان على المنطقة، الأولى التجاذب العربي - الإيراني، والتجاذب الشيعي - السني، وما نحتاج إليه قيادة قادرة على توحيد العرب من جهة، وإدارة العلاقة مع الجوارين الإقليمي والعالمي من جهة أخرى، ومع وجود اللاعب السعودي في الساحة، فلاشك في أننا نحتاج إلى تدخل اللاعب المصري الذي طال غيابه.

وظهور الأصولية الإسلامية له أسباب كثيرة، ولكن الدولة العربية الحديثة واجهت هذه المسألة باستتباع المؤسسة التقليدية الدينية أو إلغائها، ويعد ذلك من أهم أسباب ظهور الأصولية الإسلامية، وقد سلكت الدولة في التعامل مع المؤسسة الدينية ثلاث طرق، الأولى عدم إلغاء هذه المؤسسة، واستتباعها للدولة، كما حدث في مصر والسعودية والمغرب، ففقدت بذلك حجيتها وشعبيتها عند الناس، من جانب آخر ساعد ذلك الأصوليون على ضرب هذه المؤسسات، وانتزاع القيادة منها، معتبرين أنها جزءٌ من سلطة الدولة، وأداةٌ لتمرير أوامر النظام، وهناك دول قامت بإلغاء المؤسسة الدينية، بحجج كثيرة منها أنها رجعية ومتخلفة، وهي بذلك تعطل التقدم والتطوير، وهذه الدول هي: ليبيا، العراق، سورية، وتونس؛ ما نتج عنه ظهور حركات أصولية ثورية. والنمط الثالث الذي سلكته الدول، الحياد في التعامل مع هذه المؤسسة؛ ما نتج عنه تصادم أقل حدة بين النظام وهذه المؤسسات.

بعد النهوض الشعائري الرمزي للإسلاميين، في طريقة الاحتفال والجمهور وإقامة الشعائر، إسلام جديد سواء أكان للسنة أم الشيعة، وصارت له كذلك أفكاره السياسية العقائدية سياسيا، وهي بذلك حلت مع المؤسسة الدينية، أصبحت تشكل انشقاقا حادا، الذي أضافت علة أخرى إلى ضعف النظام السياسي والانغلاق، ومنذ أربعين عاما ظهر هذا الإسلام السياسي، الذي أنتج إثره مشكلتين، مشكلة ضرب المؤسسة الدينية التقليدية بالتساوق مع الدولة بقصد أو من دون قصد؛ لأنه يعتبرها لا تجيب عن الإشكالات المعاصرة، وتعمل مع الأنظمة، كما حدث مع الإخوان المسلمين ضد الأزهر في مصر، حيث يعتبرونه لا يقوم بمهماته الموكلة إليه، ولا يتصدى للدولة المصرية التي تتجاهل الإسلام وتتنكر له، في حين كان النظام الناصري مقبلا على مشروع إصلاح الأزهر، باستتباعه للدولة، ونزع أية حجية أو مرجعية دينية له، فمنع كبار الفقهاء لمجرد أنهم لا يحملون شهادة دكتوراه، وفي جانب آخر كان وراء قانون إصلاح الأزهر ضابط عسكري! كانوا يتصرفون بشكل عشوائي وغبي، علما أنها الصحن الوحيد الباقي في مواجهة الأصولية.

وفي نهاية الأمسية علق السفير المصري لدى مملكة البحرين على الندوة، مشيرا إلى أن نقاطه التي أراد مناقشتها والاستفسار عنها سبقه لها سليمان ومنيرة فخرو، غير أنه بقيت له نقطتان يريد الإشارة إليهما، الأولى كان يجب على المحاضر أن ينتبه إلى أن المقولات خضعت إلى مراجعات كثيرة، وتراجع فوكوياما عن مشروعه، وأن يفصل بين وقائع محددة يحق له البحث والنقد لها، وانطباعات شخصية، مثل: مقولة خروج مصر عن محيطها العربي، أو عن مسئوليتيها العربية أو الإسلامية، فلو تابعت الصحافة المصرية خلال الأشهر الستة الماضية، لاكتشفت أن قانون إصلاح الأزهر نفسه خاضعٌ إلى مراجعة أيضا، فالانطباعات الشخصية شيء، والأحكام القيمية شيء آخر، كما أن هناك ألفاظا أوردتها لن أرد عليها مثل «أن هذا الضابط في السلطة أمي، أو أنه كان يتصرف بغباء، أنا أعتذر عن سماعها، وأعتذر عن الرد عليها، وأرجو مراعاة ذلك مستقبلا»، ثم غادر بُعيد تعليقه مباشرة؛ ما أثار اندهاش الحضور والمحاضر.

العدد 1630 - الأربعاء 21 فبراير 2007م الموافق 03 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً