العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ

لنتحرك من الخطاب إلى خطة نهوض وطنية تشاركية

في اليوم الدولي للمرأة...

في 8 مارس/ آذار من كل عام تنشط عملية التشخيص والتحليل لأوضاع المرأة، ويتم البحث عن أدوار الشركاء في تحقيق التقدم. ومحليا نعتقد أن المرأة البحرينية قطعت بلاشك أشواطا هائلة في مجالات العمل والصحة والتعليم في العقود السابقة بفضل جهودها ونشاطها المسئول، ولكن التحديات لاتزال كثيرة أمامها، عند مقارنة قيم المؤشرات المهمة بين البحرين وبعض دول الجوار أو مع بعض دول العالم النامية التي بدأت متأخرة عنها، وخصوصا فيما يتعلق بجوانب التمكين الاقتصادي والسياسي والعدالة الاجتماعية.

الدراسات الحديثة اليوم تتجه في تقييم وضع المرأة إلى استخدام مقاييس ومؤشرات خاصة بالنوع الاجتماعي، ضمن إطار أشمل للتنمية الإنسانية والعوامل المركبة المؤثرة في تقدم المرأة، نظرا إلى أن مؤشرات التنمية البشرية العادية لا تأخذ في الحسبان درجة الاختلال في التوازن بين أدوار المرأة والرجل في المجتمع. ووفق تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية للعام 2006م،تفوقت 92 دولة على البحرين من بين 136 دولة امتلكت مؤشري التنمية البشرية والنوع الاجتماعي عند قياس الفجوات بين أوضاع الرجال والنساء في المجال الواحد، وهذا لا يتناسب مع ما تتمتع به البحرين من عائدات نفطية وتنمية متصاعدة وتبادل ثقافي واجتماعي مستدام مع دول العالم.

صور من الواقع في إحصاءات

تمثل مجالات التمكين الاقتصادي والتمكين السياسي والنفاذ إلى العدالة، ثلاثا من أهم التحديات التي مازالت المرأة البحرينية تعاني منها... وفيما يلي أبرز السمات والإحصاءات :

- نمت مشاركة المرأة البحرينية في القوى العاملة البحرينية أكثر من خمسة أضعاف خلال العقود الثلاثة بين الأعوام 1971م و2001، من خمسة في المئة تقريبا إلى 26 في المئة تقريبا، ولكنها مازالت تعاني من البطالة المتزايدة والتسريح الجماعي في القطاع الخاص، ولعل آخر التسريحات كانت في مصانع صناعة الملابس الجاهزة في الشهر الماضي، إذ حيث تم تسريح أكثر من 400 عاملة في أكبر عملية تسريح قاسية.

- على رغم ارتفاع معدلات البطالة بين الرجال والنساء في البحرين منذ بداية الثمانينات، فإن نسبة البطالة بين النساء بلغت ثلاث مرات أكثر من تلك بين الرجال في العام 1981م، ومرتين ونصف أكثر من الرجال في الأعوام بين 1991م و2001م (4.1 في المئة بين الرجال و10.5 بين النساء)، وذلك لعدم توفير فرص عمل جديدة، في الوقت الذي تزداد فيه القوة العاملة، وهذا يؤدي إلى عدم تناسب المؤهلات والمهن المتاحة وعدم المساواة في سوق العمل.

- ينخفض متوسط الأجر الشهري للنساء في القطاع الخاص عن الرجال بشكل ملحوظ، فمتوسط أجور النساء كانت أقل 27 في المئة عن تلك للرجال في العام 1998م، و32 في المئة في العام 2006م، وفق إحصاءات هيئة التأمينات الاجتماعية ومؤسسة نقد البحرين سابقا، وهذه ظاهرة خطيرة تكشف عن فجوات في قدرات الموظفات أو سوء تنظيم في سوق العمل أو عن اتجاهات منحازة سلبا ضد النساء.

- ينخفض متوسط الأجر الشهري للنساء في القطاع العام عن الرجال بمقدار سبعة في المئة، (569 دينارا للنساء) مقابل (612دينارا للرجال) وفق إحصاءات 2004م للجهاز المركزي للمعلومات ومؤسسة نقد البحرين سابقا.

- النساء يشغلن 12 في المئة فقط من المهن في قطاع الهندسة و31 في المئة فقط في قطاع القانون والمحاماة.

- البحرينيات يشغلن صفر في المئة في المجلس الأعلى للقضاء، و3.3 في المئة في وزارة الشئون الإسلامية و11.5 في المئة في وزارة العدل، وتم حديثا تعيين قاضية واحدة فقط.

- البحرينيات يشغلن 20.9 في المئة فقط، من وظائف الدرجة العاشرة ذات الأجور العالية في الوظائف العامة وفق ديوان الخدمة المدنية، والنسبة الأكبر يشغلها رجال وفق إحصاءات 2001م- 2002م للجهاز المركزي للمعلومات وتتركز النساء في الدرجات الدنيا (5-7) في وظائف الخدمة المدنية بنسبة 2.66 في المئة.

- سبعة في المئة فقط من المناصب العليا في القطاع الحكومي في البحرين تشغلها نساء و73 في المئة يشغلها رجال وفق إحصاءات 2003م للجهاز المركزي للمعلومات.

أسباب ومعوقات

- قصور التشريعات عموما عن واقع الحياة اليومية وحاجتها إلى المراجعة والتنقيح والتطوير المستمر.

- غياب التشريعات لحماية المرأة وخصوصا عند التعرض للعنف وللتحرشات وصور التمييز.

- ضعف سياسات الضمان الاجتماعي لوظيفة الأمومة: فقانون التأمين الاجتماعي الصادر في العام 1976م للعاملين في القطاع الخاص، لا يطبق بعد فرع التأمين ضد العجز المؤقت والذي يشمل المرض والأمومة... فالقانون لا ينظر إلى الأمومة باعتبارها وظيفة اجتماعية مهمة، وبالتالي لا يتخذ تدابير إضافية لمساعدة المرأة عند حاجتها إلى إجازات كافية ووفق المعايير الدولية عند الحمل والرضاعة. وهذا يسبب للنساء صعوبات بالغة في التوفيق بين الوظيفة ورعاية الأطفال وفي أحيان كثيرة تختار الانسحاب إلى المنزل. إن دعم المرأة هنا يكلف ماديا طبعا، ولكن بتوفير «صناديق دعم الأمومة» بمساهمة من الدولة وأرباب الأعمال ووفق شروط توافقية تصبح الحلول ممكنة. وتنشئة الأبناء ودعم المرأة للتوفيق بين عملها ومسئولياتها الأسرية كما ينص الدستور، ليس أقل شأنا من باقي التدابير على طريق التنمية المنشودة للوطن.

- إحجام عدد كبير من أرباب الأعمال عن توظيف النساء لأسباب متعلقة بطبيعة أدوارهن الاجتماعية في الأسرة والتي يتحملنها منفردات.

- عبء الواجبات المنزلية في نطاق الأسرة على رغم وجود خادمات المنازل، وعدم اتخاذ غالبية الرجال دورا ايجابيا.

- غياب تنظيم ساعة الرضاعة بين القطاعين، وعدم كفاية فترات الإجازات، فالمرأة تداوم لآخر يوم في فترة الحمل عكس ما يجري في دول كثيرة أخرى، إذ تصل إجازة الأمومة إلى عشرة أسابيع بخلاف الخمسة والأربعين يوما شاملة المدة السابقة للوضع والتالية له وبشرط تقديم شهادة طبية، بحسب قانون العمل في القطاع الأهلي البحريني رقم 23 لسنة 1976.

- قلة الخدمات المؤسسية المساندة للمرأة العاملة، فلا يلتزم أصحاب الأعمال بتأسيس الحضانات داخل المنشآت لمساعدة النساء عند توافر الشروط.

- التمييز في التوظيف في بعض المهن: الهندسة والقضاء مثلا والتمييز في الترقيات وفرص التدريب والضمان الصحي للعائلة.

في مجال الإنصاف والعدالة في القضايا الأسرية

مازالت المرأة البحرينية تعاني من غياب قانون ينظم أحكام الأسرة، ومن سوء الإدارة في المحاكم وضعف الجهاز القضائي الذي لا يواكب التقدم العالمي من حيث الشكل والإجراءات والعمليات. ومازال وضع المرأة يراوح مكانه في مجال الأمن الأسري ومن ضمن الأسباب:

- الهيمنة الذكورية على مفاصل الحياة المجتمعية كافة وعلى المحاكم الشرعية وعلى التقنين الفقهي.

- قوة تأثير التقاليد والأعراف والتأويلات ورفعها إلى منزلة النصوص المقدسة.

- تشجيع الأساليب التقليدية فيما يخص المشكلات داخل الأسرة بعيدا عن القانون والانتصار للمرأة.

- غياب قانون منصف لأحكام الأسرة، وغياب التوافق المجتمعي والرسمي على مرجعيات التقنين وجهته.

- غياب التشريعات المجرمة للعنف ضد المرأة، والحاجة إلى مراجعة القوانين كافة وتنقيتها من النصوص التمييزية.

- غياب أو قلة المؤسسات والخدمات الرسمية للرعاية الاجتماعية التأهيلية والقانونية للمعنفات والمطلقات والمعوزات والفقيرات.

- الحاجة إلى تعديل قانون الجنسية بما يضمن المساواة بين المرأة والرجل في منحهما الجنسية إلى أبنائهما.

- الحاجة إلى إزالة التحفظات على اتفاق «سيداو» فيما لا يتعارض والشريعة الإسلامية.

التمكين السياسي رسمي بامتياز، ومازالت المرأة عازفة

في ظل غياب البيئة التشريعية الداعمة للمشاركة السياسية للنساء، وأهمها قانون انتخاب مراع للواقع يستهدف التمثيلية الحقة وتمثيل الأقليات السياسية والمرأة، وفي ظل هندسة رسمية متناهية لإجراءات الانتخابات كافة ونتائجها، تبقى أمام المرأة تحديات كبيرة كما هي أمام الرجال. ومنذ بدء الحديث عن المشروع الإصلاحي تزايدت التعيينات الرسمية للنساء في جميع مواقع صنع القرار، داخل وخارج المملكة، ولكنها بقيت بعيدة عن تمكين الجانب الأهلي، سواء على صعيد المؤسسات أو الأفراد. فالتمكين السياسي للنساء هذه الأيام يتم في غالبيته بمعيار الموالاة وتبني الرأي الرسمي، لا بمعايير امتلاك القدرة والرغبة في الإصلاح الحقيقي. هناك تنمية سياسية أكاديمية، نعم، ولكنها مقننة وموجهة أو في أحسن الأحوال تطرح ما ينبغي أن يطرح رسميا وليس شعبيا، وقد بدأ الإقبال يضعف عليها لعدم تأسيسها على مبدأ الثقة والتشاركية الحقة. ولا يمكن للنساء الركون إلى تنمية سياسية رسمية أو ثقافة استماع عن بعد من دون الانخراط في متابعة حقيقية للشأن العام ومن دون اتخاذ مبادرات شجاعة بدلا من إلقاء اللوم على الجمعيات السياسية أو المجتمع، فالخطوة الأولى في أي تمكين سياسي يكون ذاتيا وبقناعة واختيار ذهني راسخ، وقد تبدو الطرق أحيانا وعرة وطويلة ولكنها تهون إذا كانت مبدئية ومتوافقة مع الناس.

الموازنات الحساسة للنوع الاجتماعي... وتجربة المغرب

أبرمت منظمة «اليونيفيم» اتفاقات كثيرة مع حكومات بعض الدول العربية كمصر والمغرب وكثير من حكومات الدول غير العربية كالهند والفلبين وسيلان والنيبال وفرنسا وأوغندا وتشيلي والمكسيك والبرازيل... وغيرها، في مجال بناء القدرات الوطنية وفق آليات وطرق إدماج مفهوم النوع الاجتماعي في الخطط الوطنية وتخصيص الموازنات المالية بهدف تقليل الفجوة بين الرجال والنساء. وللمرة الأولى تضمنت الموازنة العامة للمغرب للعام 2006م قسما خاصا بالمرأة ومعالجة أولوياتها، في اعتراف غير مسبوق بحقوق وقضايا النساء المهمشة، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان المغربي. الحكومة المغربية أصدرت تقرير «الجندر» الذي لخص التدابير الحكومية الوطنية والمحلية كافة لتقليل التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وفق تحليل للواقع وتحديد أهداف كمية ونوعية وزمنية واضحة، وتحديد للقطاعات ذات الأولوية كالتعليم والزراعة والصحة وتنمية الريف والوزارات المسئولة وكيفية العمل.

نعتقد أننا في البحرين مؤهلون أكثر من غيرنا لانتهاج مثل هذه المأسسة لحقوق وقضايا المرأة، وإعداد موازنة حساسة للنوع الاجتماعي، تبدأ بدراسة الواقع والفجوات الحقيقية بين أوضاع المرأة والرجل في المجالات كافة، ومن ثم وضع الخطة بالمصروفات المطلوبة وأساليب المراقبة ومؤشرات الإنجاز.

في البحرين يتوافر الاهتمام المطلوب من قبل العمل النسائي الأهلي وتتوافر أيضا الإمكانات المادية والمالية الكبيرة للجانب الرسمي، وكل ما يستلزمه الأمر هو التفكير الجدي في جمع الشركاء في خطة عمل بنوايا صادقة واعتراف واحترام متبادل، من دون تهميش أو محاولات استحواذ من قبل طرف تجاه الآخر. المجلس الأعلى للمرأة مهما أوتي من موارد لن يستطيع أن يكون جماهيريا وممتدا، كذلك تحتاج الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي إلى الكثير من القدرات النوعية وإلى الموازنات المطلوبة لدعم المشروعات الطموحة... متى توافرت الذهنيات التعاونية القائمة على المكاشفة واحترام الآخر والنوايا الحسنة، سنوفق في النهوض الفعلي والمتسارع نحو تحقيق ما نطمح إليه من مصالح للنساء.

العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً