العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ

حتى هي...

كعادتها كل يوم، نهضت من النوم باكرا لكي يسعفها الوقت لتجهيز وجبة الفطور، جهزت الحليب، الجبن، الزبدة والبيض، حمصت الخبز لابنها الذي لا يحب أن يأكله إلا محمصا، جهزت سندويشات أطفالها كل بحسب طلبه، بدأت أولا في إيقاظ طفلها الأكبر (زوجها)، ثم حان وقت معركتها اليومية لإيقاظ أبنائها واحدا تلو الآخر، وبدأت حواسها الخمس تلتقط الإشارات بطاقتها القصوى، تقنع الكبير بلبس قميص آخر، ويدها ترتب حقيبة الأوسط الذي نسي ترتيب كتبه البارحة، وبيد أخرى تمشط شعر ابنتها، بينما تحاول أن تقنع الأصغر بأن يفرش أسنانه مرة أخرى لأنها دائما لا تقنع بأنه فرشها بطريقة صحيحة في المرة الأولى. تتأكد من أن الجميع أكلوا فطورهم، وأخذوا السندويشة الخاصة بهم، وتمت تلبية احتياجاتهم كافة. تبدل ملابسها بسرعة، تحمل أوراق عملها التي سهرت البارحة لتكملها ولم تستطع، تتجه إلى سيارتها لتوصل «بعضاَ» من أبنائها إلى مدارسهم، بينما تتأكد من أن زوجها سيوصل «البعض» الآخر بسلام، وتتجه إلى العمل، لتبدأ في دوامته من جديد، تحضر الاجتماعات وتعد التقارير، وتفكر في زوجها، وأبنائها، تفكر في الغداء، ثم العشاء، ثم تفكر في التقرير الذي يجب أن تنجزه لعملها اليوم. وتعود لتفكر في الملابس التي تحتاج إلى أن تشتريها لأطفالها، وتفكر في زوجها الذي يتذمر كلما طلبت منه المساعدة في شأن من شئون المنزل، وتفكر في رئيسها الذي يتذمر هو الآخر كلما تأخرت قليلا في إنجاز تقرير ما، ولا يكف عن الطلبات. يشغلها التفكير في كل ذلك، وهي لا تعرف أنه في هذا اليوم بالذات، الذي لا يبدو لها مختلفا كثيرا عن باقي الأيام... في هذا اليوم، الثامن من مارس/ آذار، يحتفل العالم بأسره، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، في الصين والهند وأميركا وجنوب أفريقيا وأوروبا وأستراليا، بها هي، وبملايين النساء غيرها، في ذكرى اليوم الدولي للمرأة.

إنها النموذج الأكثر تكرارا للمرأة في مجتمعنا، مهما اختلفت طبقتها الاجتماعية ومستواها المعيشي، نموذج المرأة/ الزوجة/ الأم/ العاملة/ ربة المنزل/ المربية/ المدرسة... نموذج المرأة متعددة الأدوار. لعل البعض يستغرب إذا ما نظر إليها نظرة واقعية منصفة كيف يمكنها أن تتحمل القيام بكل هذه الأدوار مرة واحدة، من أين تأتيها تلك الطاقة السحرية على العطاء، وكيف تستطيع أن تلملم شتات نفسها ولا تنفجر، وفي النهاية تصبح - إجمالا- أما ناجحة، وعاملة ناجحة، وزوجة ناجحة، ومربية ناجحة. إنه أحد المؤشرات فقط، مؤشر عادي، بسيط، مكرر، يمكنك أن تلتقطه بسهولة كبيرة من أي نموذج لها تجده حولك، لتعرف من خلاله لماذا خصص العالم يوما من أيامه الثلاثمئة والخمسة والستين ليحمل اسم «المرأة»، فيدافع في كل سنة عن قضية من قضاياها... وما أكثرها.

مؤشر واحد، ذلك الذي يمكن أن يجيب لك عن ذلك السؤال المعاد والمكرر في كل عام، غير أن مؤشرات أخرى أبعد وقعا وأشد تأثيرا يمكن أن تجعلها مميزة، ومميزة جدا، بشكل لا يدركه كثيرون... حتى هي.

العدد 1644 - الأربعاء 07 مارس 2007م الموافق 17 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً