العدد 1763 - الأربعاء 04 يوليو 2007م الموافق 18 جمادى الآخرة 1428هـ

دقيقتان في رؤية المستقبل تقلبان الحوادث والمعادلات

فيلم نكست (Next) في سينما السيف

دقيقتان في حياة الإنسان لا تساوي شيئا، فهي تمر كل ساعة في عمره ولا يشعر بأهميتها الا في الأوقات الصعبة وعند الضرورة. فالوقت عند الإنسان لا قيمة له عموما وهو يمضي من دون شعور وانتباه. وبعض الناس يعيشون يوميا حالات من الضجر لا يعرفون كيف يتعاملون مع الساعات بل يتمنون ان تمر بسرعة لشدة وطأتها وثقلها.

فيلم نكست (Next) أو الآتي الذي يعرض حاليا في سينما السيف يقلب المسألة ويعطيها خصوصية لا تتوافر للبشر. الشريط السينمائي لا يتحدث عن فلسفة الزمن وأهمية الوقت ومعنى الدقيقة في حياة الإنسان. فالمخرج لم يكترث لهذا ولم يرد على خاطره حين قرر ان يصنع فيلما بوليسيا يعتمد الحركة والسرعة في لقطاته.

الفكرة جميلة وبارعة لو أخذت من زاوية فلسفية لا بوليسية. والمخرج اصلا لم يضع في عقله هذه المسألة حين صور شريطه عن رجل يتميز بالقدرة على معرفة مستقبله وما سيحصل معه قبل فترة لا تتجاوز الدقيقتين.

نكتشف فجأة أن الدقيقتين مهمتان في تقرير مصير الإنسان إذا أعطي هذه الميزة في رؤية الحادث قبل حصوله. هذه المقدرة تعطي الإنسان امكان التفوق على غيره والسيطرة على خصمه وجرجرته إلى المكان الذي يريده. دقيقتان فقط كافيتان للحط من قدرات الآخر وشله والتحكم به.

وهذا بالضبط ما أراد المخرج قوله في فيلم مثير في لقطاته السريعة. فالشريط يتحدث عن رجل يعيش في مدينة الملاهي والقمار في الولايات المتحدة (لاس فيغاس) ويعمل في ناد ليلي في أحد الفنادق يقدم فيه بعض الحركات المضجرة التي يجيد صنعها أولئك الذين يتميزون بالخفة والخدعة البصرية.

صاحبنا يقوم بهذا الدور العادي ولكنه يملك موهبة لا يستطيع البوح بها خوفا على حياته من المافيات أو الشرطة أو شبكات المخابرات الأميركية والأجنبية. وبسبب هذا الخوف كتم سره ولم يكشفه لأحد حتى يتعرض للخطف أو الابتزاز.

الا ان صاحبنا كان يستخدم «سره» في أشياء أخرى تتصل بحياته الشخصية فهو يمتلك قدرة على معرفة ماذا سيحصل له بعد دقيقتين لذلك كان يتخذ كل التدابير التي تسعفه بتحاشي الضرر قبل وقوعه أو بعد. فهو يستطيع تجنب وقوع حادث سير، ويستطيع تحاشي اصطدام قطار بسيارته، ويستطيع رؤية لص يحاول السطو عليه، ويستطيع التهرب من البوليس في حال ملاحقته. كل هذه الافضليات يمتلكها ويتصرف بها بحرية لسبب بسيط ووحيد وهو علمه بحصول الحادث قبل وقوعه بدقيقتين. حتى انه يستطيع تجنب إطلاق الرصاص لأنه يعلم مصدرها أو اتجاهها. حتى اللكمة يستطيع تجنبها لأنه يعرف سلفا الوجه التي سددها ضده إذا وجهت إليه خصمه. وهكذا.

الدقيقتان كافيتان إذا لتغيير المعادلات والتكيف مع زمن آتٍ وبسرعة. وبسبب هذه الميزة اضطر ان يكتم «السر» ويستخدمه في حاجات أخرى تلبي طموحاته الشخصية من دون إثارة الشبهات. فهو قرر ان يستخدم معرفته بالمستقبل الآتي في لعبة القمار لذلك اخذ يتوجه إلى صالة فندق ويلعب بالآلات ويربح لأنه يعرف سلفا الارقام التي ستتوقف عليها دواليب الروليت وغيرها من الاعيب.

ربحه الدائم وبشكل يومي وعلى مختلف الطاولات والآلات لفت نظر الأجهزة التي تصور وتراقب صالات القمار. وهكذا بدأت مشكلته مع مافيات وشبكات مخابرات اكتشفت انه يمتلك تلك الميزة التي لا يتمتع بها سواه. ومن هنا تبدأ المطاردة والملاحقة. وطرحت الأسئلة: من هو؟ وماذا يريد؟ ولمصلحة من يعمل؟ ولماذا لا نستغله ويعمل لمصلحتنا ويرشدنا إلى الجرائم قبل وقوعها؟

تحول «السر» إلى سؤال. وصاحب هذه الميزة أصبح أسير مطاردة وملاحقة. وبسبب انشغاله الخاص كان يتهرب من الاجابة ويرفض التعاون. وانشغاله الخاص يرتبط بسر آخر رفض كشفه. والسر الآخر يتعلق بفتاة أحلامه التي تخيلها ورسم ملامحها وحدد المكان الذي سيلتقي بها. فتاة الأحلام هي الوحيدة التي تستطيع تطوير هذه الميزة وتنويعها وتطويلها. فإذا التقى بها يصبح في موقع يسمح له بتوقع حصول أشياء أخرى لا تتعلق به فقط. ويصبح أيضا عنده القدرة على اكتشاف المستقبل لفترة أطول بكثير من دقيقتين.

فتاة الأحلام هذه اخذ ينتظر قدومها يوميا في مطعم. يذهب ولا تأتي ولكنه كان على يقين انها ستأتي يوما ما. وفعلا أتت والتقاها على طريقته في اكتشاف المستقبل وأعجبت به وهي لم تكن على دراية بقدراته تلك.

الشريط السينمائي يخلط كل هذه الحوادث بأسلوب بوليسي. هو ينتظر الفتاة يوميا. والشرطة تراقبه. والمخابرات تريد تنظيمه وتوظيفه في أجهزتها لمساعدتها في اكتشاف خلايا وخطط المخابرات المنافسة. وهو يتهرب من كل هذه الإغراءات والمهمات لأنه لا يريد الغرق في متاهات لا تنتهي ويريد أيضا أن يصل إلى مبتغاه الخاص (فتاة أحلامه) والعيش معها سعيدا وبهدوء وبعيدا عن المطاردات والملاحقات.

ولكن القدر أقوى منه. اذ علمت المافيات بتلك الميزة كذلك المخابرات الروسية وشبكات الإرهاب التي خططت لنقل قنبلة نووية إلى الولايات المتحدة وتفجيرها في المدينة.

الكل إذا يسعى للفوز بالدقيقتين. فمن يملك هذا الرجل يسيطر على مستقبل الآخر أو على الأقل يعطل قدرات الخصم ويطيح بها قبل حصولها.

وتنجح الشبكة الإرهابية في خطف «فتاة أحلامه» وتهدد بقتلها أو بالأحرى يرى مقتلها. لذلك قرر التحرك بسرعة والتعامل مع المخابرات (اف.بي.اي) ومساعدتها في اكتشاف المكان الذي وضعت فيه القنبلة مقابل التعاون معه في إنقاذ «فتاة الأحلام» من الأسر. وهذا ما حصل في النهايات السعيدة.

فكرة الفيلم جميلة لأنها تنبه المشاهد إلى أهمية الوقت حتى لو لم يتجاوز فترة الدقيقتين. فالزمن مهم في كل دقيقة بشرط ان يعرف الإنسان كيف يتعامل مع اللحظات ومرورها الدائم في حياته اليومية.

لكن مخرج الشريط السينمائي تعامل مع الموضوع بخفة على طريقة الأفلام الأميركية التي تتهرب من الأفكار الصعبة وتميل إلى اللعب بمشاعر المشاهد وتحريكها بوليسيا ومن طريق اللقطات السريعة التي تثير القلب والأعصاب ولا تكترث لنبض العقل وتفاعلاته.

العدد 1763 - الأربعاء 04 يوليو 2007م الموافق 18 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً