العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ

سبيل الكادحين في الحياة

من منا لا يحلم بالعيش الرغيد والحياة الكريمة الخالية من الحرمان والصعاب التي نتجشمها من أجل كسب قوت يومنا أو سداد رمق أبنائنا؟ نعمل من أجل تحقيق أحلامنا البسيطة التي لا تتجاوز توفير الملبس والمأكل والمأوى المتواضع، نتظاهر بالغنى ويسر الحال أمام الناس من أجل وضعنا الاجتماعي أو خوفا من نظرة بعض الذين يحتقرون كل من هو أقل منهم في مستوى العيش، فلو تلفتنا حولنا لوجدنا الكثيرين يشكون اضطرارهم إلى مسايرة العصر ومتطلبات الحياة اليومية، فهم ليسوا أقل من الآخرين... يتمنون تحقيق السعادة والرخاء حتى لو كان الناتج قائمة كبيرة من الديون أو مسلسلا من الاستجداء لسداد الفواتير.

أما الشريحة الأكبر، فمبدأهم الكفاف والاقتصاد من أجل البقاء، وصح قول الكريم فيهم «تحسبهم أغنياء من التعفف»... هؤلاء من يعملون بكل جد ويكدحون من دون توقف، سيماهم الظهور المنحنية من الصبر والأجساد المرهقة من التجلد والإحباطات، تقتلهم الوعود التي يطلقونها لأبنائهم بأن الغد سيكون أفضل وفي ضمائرهم الغد لن يأتي أبدا.

كم هو محزن أن ترى أطفالا لا يحق لهم أن يحلموا بلعبة أو حتى بثوب جديد يتمنون الحصول عليه، أسوة بأقرانهم من أطفال الطبقة الميسورة، فذووهم لا يستطيعون توفيرها لهم، حتى تعلم أولئك الصغار ألا يطلبوا شيئا حتى يتأكدوا من أن الظروف مناسبة خوفا من إحراج ولي أمرهم المعدم. كلهم ينتظرون قدوم الراتب وسداد كل الالتزامات: مبلغ الجمعية، وفاتورة الكهرباء والهاتف، وقسط البيت وسلف البرادة، كوبونات البنزين... عل يتبقى شيء يدفع لاحتياجاتهم الصغيرة... وفي معظم الأحيان يعتذر منهم بأن لا مجال هذا الشهر، ربما الشهر المقبل حينما تصرف لنا العلاوة الموعودة أو نحصل على «الاوفر تايم».

في كل بيت ومقهى وديوانية لا تجد إلا أخبارا تتحدث عن فاجعة جديدة من ارتفاع الأسعار أو فرض بعض الرسوم والضرائب أو التعقيد في الإجراءات الرسمية، تكفهر منها الوجوه وتتعالى على إثرها صرخات المستضعفين التي لا يسمعها أحد، لتعود الصرخة بإفرازاتها قنوطا وسخطا على من يسرق قوتهم ويسلب خيراتهم، تلك الأيدي الخفية من أصحاب القوة.

كم من الوعود الكاذبة لم يوف بها من صال وجال في خيام الضحك على الذقون من أجل الوصول إلى مصالحه الشخصية على أكتاف البسطاء من الناس، وكم من الشائعات روجها البعض من أجل الاستمتاع بمنظر لهف الفقراء وراء سراب لا يتحقق، حتى صار الناس يشتاقون إلى تلك المسكنات فهي أفيون الشارع ومسكراته التي ما تلبث أن تنتهي ليعود المعدمون إلى صحوة يتمنون الموت بعدها.

ما تبقى لهؤلاء الشرفاء سوى انتظار حدوث المعجزة... لأنه لا ضمان اليوم عندهم، والغد قد يكون أكثر عتمة. هؤلاء هم العظام حقا فهم يجوعون من أجل تعليم أبنائهم وتسليحهم بالشهادات العليا، لكن للأسف هم يجرون وراء سراب، فبعد العناء سيكون مصير أبنائهم الانتظار في طوابير العاطلين أو وظيفة في سلك المغمورين، وما سيحققونه هو إضافة عدد جديد على سجل الكادحين! والسؤال إلى أين سيأخذهم الحال؟

سامي الناصر

العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً