العدد 1833 - الأربعاء 12 سبتمبر 2007م الموافق 29 شعبان 1428هـ

الاستقلال من لندن... الاستقلال للعبيد

لقد شكلت الضرائب البريطانية المفروضة على المستعمرات الأميركية سببا مباشرا لاشتعال الثورة الأميركية، إذ تمسكت الحكومة البريطانية بحقها في فرض الضرائب على مستعمراتها في أميركا الشمالية بهدف زيادة دخل خزينتها الإمبراطورية في لندن.

تنوعت الضرائب البريطانية على المستعمرات الأميركية، وكان منها: ضريبة السكر، وضريبة الدمغة «الطوابع». وفيما كانت لندن تستقبل ضرائب المستعمرين، كان أهالي المستعمرات الأميركية يدركون أنّ هذه الضرائب تمثل عائقا أمامهم في تحقيق المزيد من الثروات والانتعاش الاقتصادي في المستمرات.

ولعبت حرب السنين السبع، بين بريطانيا وفرنسا 1756-1763م دورا مهما في إشعال دعاوى التمرد في المستعمرات الأميركية على الوصاية البريطانية.

في العام 1765م أجاز البرلمان البريطاني قانون الطابع وفرض الضرائب، الذي يلزم المستعمرات الأميركية «بشراء الطوابع لتكون ضريبة على المطبوعات». وكانت أولى المظاهر المعترضة على الضرائب المضافة أن قام أحد الرسامين في المستعمرات برسم جمجمة وعظمتين متقاطعتين رمز الموت، إلى اليمين، تعبيرا عن احتجاجه على ذلك القانون. وأثارت هذه التغييرات ردود فعل غاضبة لدى المستعمرين الذين عارضوها بشدة ورددوا شعار «فرض الضرائب دون تمثيل يُعَدُّ طغيانا».

الخروج على الإنجليز

تمادت حالة السخط في المستعمرات على الإنجليز، أدركت بريطانيا حساسية الموقف في المستعمرات، وبالفعل سارعت بريطانيا بإرسال قواتها إلى كلّ من مستعمرتي بوسطن ونيويورك، إذ قتلوا بعض المستعمرين فيما سُمي بمذبحة بوسطن، التي رد عليها الأميركيون بالاحتجاج المعروف «ببوسطن تي بارتي».

عاقبت الحكومة البريطانية المتمردين بإغلاق ميناء بوسطن وزيادة سلطة الحاكم البريطاني، وإجبار المستعمرين على إيواء وإطعام البريطانيين. ورد المستعمرون بتشكيل المجلس القاري الأوّل بفيلادلفيا، الذي ضم 12 مستعمرة وأجبروا بريطانيا على سحب القوانين القسرية.

وفي يوليو/ تموز 1776م أعلن المجلس القاري الرابع الاستقلال عن بريطانيا، مكونا الولايات المتحدة الأمريكية، واستمرت بعد ذلك الحرب الطاحنة بين أميركا وبريطانيا حتى انتصر الأميركيون في 1781م في معركة يوركتاون بفرجينيا. ثم وقَّع الطرفان معاهدة فرساي في 1783م وكانت بمثابة إعلان بنهاية الثورة الأميركية، ونيل الاستقلال عن وصاية التاج البريطاني.

الدستور وصولا لسياسة شراء الأراضي

في العام 1787 وقع المندوبون من جميع الولايات المتحدة على اتفاق دستور البلاد التي تم التصديق عليه في سنة 1788م. بعدها، قامت حكومة الولايات المتحدة بشراء مقاطعة لويزيانا في العام 1803 من فرنسا، وبلغت مساحة الأراضي المشتراة في تلك الصفقة حوالي 2،144،476 كلم مربع و بلغت تكلفة الصفقة 15 مليون دولار. او مايعادل في 390 بليون دولار في العام 2003. مقاطعة لويزيانا الفرنسية كانت أكبر بكثير من ولاية لويزيانا الحالية، الأراضي المشتراة تشتمل على كل أو أجزاء أرض من الولايات التالية: أركنساس، ميسوري، آيوا، مينيسوتا، داكوتا الشمالية، داكوتا الجنوبية، نبراسكا، نيومكسيكو، تكساس، أوكلاهوما، كانساس، مونتانا، وايومنغ، و كولورادو. المساحة المشتراة تعادل 22.3 في المئة من مساحة الولايات المتحدة الحالية. كانت الصفقة حدثا مهما في حياة الرئيس الأميركي توماس جفرسون الرئاسية، وكانت قد لقيت معارضة داخلية إذ اعتبرها البعض غير قانونية.

الغرب الذي أسس للحرب

الاتساع الأميركي من جهة الغرب فرض آنية الإجابة على السؤال الموجع، وهو المتعلق بالأحقية في الرق، في منتصف القرن التاسع عشر، كان الأميركيون منقسمين بشأن حقوق الولايات ودور الحكومة الفيدرالية والتوسّع في الرق والعبودية، وما إن تم انتخاب أبراهام لينكون في 1860، حتى أعلنت ولاية كارولاينا الجنوبية عن انسحابها من الاتحاد واستقلالها لتكون أول الولايات المنسحبة. لحقتها ست ولايات جنوبية اخرى. وأعلنوا في العام 1861 تكوين الولايات الأميركية الكونفدرالية.

أيدت الولايات الجنوبية العبودية فيما طالبت الشمالية بإلغائها. وكان ذلك طبيعيا فاقتصاد الجنوب يعتمد اعتمادا كليا على العبودية لكونه زراعيا.

في العام 1865 انتهت الحرب بانتصار الشمال، ليتم بذلك إلغاء العبودية رسميا و ليتم أيضا القضاء على أية فرصة أو حق للولايات في الانسحاب من الاتحاد. وقد زاد الانتصار من قوة وسيطرة الحكومة الفيدرالية.

نشبت الحرب في الولايات المتحدة الأميريكية بين الحكومة الفيدرالية التي عرفت «بالاتحاديون» مقابل أحدا عشر ولاية جنوبية متمسكة بالعبودية. تسلم قيادة الولايات الجنوبية الرئيس جيفرسون ديفيس، أما قوات الاتحاد فكانت تحت قيادة الرئيس أبراهام لينكون، وبالرغم من اسم الحرب الأهلية فإن القوات الكونفدرالية الجنوبية انحصرت رغبتها في الانفصال و ليس السيطرة على الحكومة المركزية (الفدرالية). بدأ القتال في 12 أبريل/ نيسان 1861 عندما هاجمت القوات الكونفدرالية قوة فيدرالية في معركة فورت سومتر.

في السنة الأولى تمكن الاتحاديون من السيطرة على الولايات الحدودية وتأسيس قطاع بحري. في 1862 بدأت المعارك الدموية العنيفة فبعد معركة أنتيتام في سبتمبر/ أيلول 1862 أصدر لنكولن إعلان تحرير العبيد Emancipation Proclamation جاعلا من تحرير العبيد في الجنوب هدفا للحرب - الأمر الذي عارضته جماعة الرؤوس النحاسية Copperhead (قسم من الديمقراطيين المعارضين للحرب الأهلية).

التصريح بهدف تحرير العبيد أكد ألا تتدخل أيا من بريطانيا أو فرنسا في مساعدة الكونفدراليين. كما أن هذا الهدف المعلن ساعد على ظهور مقاومة من الأمريكيين الأفارقة في الولايات الجنوبية، و هو عامل لم تتداركه القوات الكونفدرالية إلا متأخرة.

في العام 1864 تمكن قوات الاتحاد من تحقيق أفضلية كبيرة على الجنوبيين في الجغرافيا والاستراتيجية والنقل مما أضعف الجنوبيين كثيرا. خاض غرانت معارك دموية مع لي في فرجينيا في صيف 1864. فاز لي بحسه التكتيكي لكنه كان خاسرا استراتيجيا حيث لم يستطع أنْ يعوض خسائره واضطر للانسحاب إلى مسافة قريبة من عاصمته ريشموند. في نفس الأثناء سيطر ويليام شيرمان على أتلانتا و انطلق نحو البحر مهدما مساحات واسعة من جورجيا. في العام 1865 انحسرت الكونفدرالية بانسحاب قوات لي و تم تحرير جميع العبيد.

إعادة الوحدة الكاملة لجميع الولايات المتحدة أخذت عملا و جهدا في مرحلة ما بعد الحرب ضمن عملية عرفت إعادة التأسيس Reconstruction . خلفت الحرب أكثر من 970,000 قتيل (3% من مجموع السكان) تتضمن مقتل 620,000 جندي - ثلثيهم لقوا حتفهم عن طريق الأمراض.

لقد ساهمت الحرب الأهلية الأميركية في تكوين صورة انسانية وثقافية جديدة في العقل الأميريك خاصة، هذه الصورة كانت تتمركز حول تمجيد قيم الحرية، وفي «الخوف» من أن تصل الحرب مرة أخرى.

لقد صنعت الحرب الأهلية للأميريكيين فوبيا حرب في الداخل الأميريكي خاصة، وسنناقش هذه الجزئية ثقافيا في الحلقة القادمة.

العدد 1833 - الأربعاء 12 سبتمبر 2007م الموافق 29 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً