العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ

آخر عصور الرق.... تكاد تنتهي

«مهاجرون» أم «وافدون» كلاهما تحت مشنقة «الكفالة»... هل تنتهي أحجية الاتجار بالبشر في الخليج؟

بين خيارين، كلاهما مُر. هل تنتهي أحجية آخر عصور المملوكين بالعمل في الخليج، أم تستمر؟. لا يملك أحد ما. إجابة قاطعة للسؤال، السعودية أوصت بإلغاء مسمى «الكفيل»، والبحرين سارعت لتدارك موقفها الدولي إثر ضمها للائحة المتاجرين بالبشر. لكن شيئا من هذا لم يمنع الولايات المتحدة في تقريرها الأخير عن الاتجار بالبشر من أن تضمنه كلا من البحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان، وهو تضمين خاص، على اللائحة السوداء تحديدا، حيث يقطن هناك 16 بلدا لم يحصل فيها أي تقدم في مكافحة الاتجار بالبشر. أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي بشأن الاتجار بالبشر للعام 2007 وضم الدول الخليجية الأربع، لتضاف على السعودية وسورية والسودان وإيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وأوزبكستان وبورما المدرجة على قائمة الدول المصنفة في المرتبة الثالثة الأسوأ - والتي تعتبر أنها أخفقت في مكافحة الاتجار بالبشر بقوة.

تهدد الولايات المتحدة الدول الموضوعة على المرتبة الثالثة بالعقوبات الاقتصادية، خصوصا حرمانها من المساعدات الأميركية. لكن الذي يبدو أكثر أهمية بالنسبة إلى دول الخليج في هذا التصنيف هو الإيذان للهيئات الدولية بالدخول في هذه العملية التي تعتبر مرتبطة بالكثير من الموضوعات الحساسة، هذه الموضوعات الحساسة لا نبالغ إن أوصلناها لحدود «الأمن القومي». فالضمانات التي تطالب بها الهيئات الدولية تشمل فيما تشمل الحصول على احقية المواطنة، وهو ما يعني في دول كدول الخليج أن يتحول السكان الأصليون إلى مجرد أقليات.

التقرير الأميركي حاول سبر مساعي 150 دولة في العالم في مكافحة الاتجار ببني البشر واستعبادهم بغرض استغلالهم في العمل القسري، وفي تجارة البغاء وفي إجبارهم على الخدمة العسكرية إضافة إلى أشكال أخرى من العبودية. وأشارت الدراسات إلى أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر على النطاق العالمي يبلغ نحو 800 ألف شخص سنويا بينهم 80 في المئة من النساء و50 في المئة من القاصرين. وأوضح تقرير العام 2007 أن غالبية الضحايا هم من النساء والفتيات اللواتي تقعن ضحية الاستغلال الجنسي.

دول الخليج تتاجر بالبشر... لماذا؟

برر التقرير إدراج دول الخليج العربي الخمس على اللائحة السوداء للاتجار بالبشر، بسبب «ممارساتهم المتصفة بالاستعباد وفي مجال الاستغلال الجنسي». وأعلن أن هذه الدول جميعا ستخضع للمراقبة في حال قامت بإتخاذ ما يكفي من إجراءات للحد من هذه الظاهرة، المهلة لا تزيد عن 3 شهور، وبعدها تبدأ عجلة فرض العقوبات في الدوران.

التقرير أشار أيضا، إلى أن حكومات دول الخليج «تجاهلت كل التحذيرات، ولا يبدو أنها تعي خطورة الاتجار بالبشر، وفشلت في اظهار الحد الأدنى من الجدية في تطبيق التشريعات لمكافحة تجارة الاطفال واستغلال النساء عنوة والزج بهن في ممارسة الدعارة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على السياحة الجنسية»، ويؤكد التقرير أن قرائن عدة قد «تجمعت لدى وزارة الخارجية الأميركية على انتشار تجارة البشر في هذه الدول»، وأكد التقرير ضرورة مكافحة هذه التجارة التي تدر على أصحابها أكثر من 20 مليار دولار سنويا. تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الاتجار بالبشر هو الخامس من نوعه، لكنه الأول الذي يضم أربع دول خليجية إلى القائمة السوداء ويهددها بالعقوبات التي تتراوح بين وقف التعامل معها في المجالات العلمية والتعليمية والثقافية ولاحقا وقف الاستثمارات والتسهيلات التجارية ومن ثم المقاطعة الاقتصادية والسياسية.

وفي السياق ذاته، وبالخصوص في الحالة البحرينية، كان توقيت ظهور هذا التقرير ذا خصوصية كبيرة، إذ تعكف الحكومة البحرينية على إعادة تنظيم سوق العمل، وهو تنفيذ ما أقره المجلس النيابي في 22 مارس/آذار 2006 حين أعتمد قانونا جديدا لسوق العمل يخفف من القيود التي يفرضها نظام الكفيل على العامل الأجنبي، إذ سمح للعامل الأجنبي أن يغادر مكان عمله وينتقل إلى مكان آخر من دون الرجوع إلى رب العمل الأصلي، شريطة أن يكون قد أنهى مدة العمل في المنشأة التي كان يعمل بها بحيث يتم تحديد هذه المدة الزمنية في بداية التعاقد بين الطرفين. وتعد هذه هي المرة الأولى في دول الخليج التي يسمح فيها للعامل بالانتقال إلى عمل آخر من دون الرجوع إلى كفيله الأساسي أو صاحب العمل الذي استقدمه. التقرير «المشكلة» أشار إلى أن ضحايا الاتجار بالبشر في العالم هم اليوم أكثر من 12 مليون شخص، وأنهم ضحايا الممارسات التالية: «الدعارة، والتسول، وأشكال شتي من العمل القسري، وتجنيد الأطفال، واستخدامهم في سباقات الهجن، وتشغيلهم اجباريا، وكذلك استغلال العمالة الوافدة الرخيصة وتشغيلهم في ظروف عمل غير إنسانية، وسوء معاملتهم، وبخس أجورهم أو تأخيرها أو الامتناع عن دفعها أو تحميلهم أعمالا شاقة لساعات اضافية أو عدم إعطائهم إجازاتهم المستحقة أو حشرهم في غرف غير لائقة، وكذلك خطف الأطفال والفتيات عبر الحدود للتسول بهم أو تأجيرهم، وهناك تجار الإقامات والتأشيرات الذين يأتون بالبشر من بلادهم ويسرحونهم في الشوارع في مقابل عمولة وغير ذلك من مظاهر الاستغلال والاساءة اللتين اعتبرهما التقرير من مظاهر العبودية والاتجار بالبشر». وتقع دول الخليج عبر أنظمتها العمالية في الكثير من المخالفات بالنسبة إلى الممارسات التي حددها التقرير. فنظام الكفيل المعمول بها في دول الخليج هو أحد أهم الممارسات المدانة بالنسبة إلى التقييم، وتتعرض قطاعات عدة من العمالة الأجنبية في الخليج لمخالفات وممارسات يجرمها التقرير، وتأتي في هذا السياق أيضا، ظاهرة الفري فيزا، والتي تعصف بالبحرين حقوقيا واجتماعيا وسياسيا على وجه الخصوص. دول الخليج التي لا تنكر الكثير من هذه التجاوزات تصر على أن ثمة حالة من القطيعة المعلوماتية والثقافية بين التقرير وبين الواقع المعاش في الخليج، وتصر هذه الدول على أن التقرير سلبي، ولا يتصف بالموضوعية ومراعاة الفروق الثقافية والحضارية.

الخليجيون غاضبون... ولكن!

أثار التقرير الأميركي بشأن الاتجار بالبشر ردود فعل غاضبة من دول الخليج العربية. بحرينيا، اعتبر مدير إدارة الإعلام الأمني في وزارة الداخلية الرائد محمد بن دينة في مقابلته مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية الاتهام الأميركي لبلاده بأنه «أمر غير مقبول»، مؤكدا في الوقت ذاته مطالبة البحرين بأية أدلة أو كشوفات لأسماء تم الاعتماد عليها في تقرير الخارجية الأميركية.

وقال الرائد محمد بن دينه «فوجئنا بتقرير وزارة الخارجية الأميركية وما تضمنه من مزاعم تتهم البحرين بالتقاعس عن منع بيع البشر، على رغم أن البحرين بلد مفتوح للمنظمات الحقوقية والإنسانية». وأكد بن دينة أن وزارة الداخلية البحرينية لم تتلق شكاوى من أي من السفارات الأجنبية بهذه المزاعم مسبقا، وأضاف «كيف لم تصل إلينا مثل هذه الشكاوى عن مثل هذه الانتهاكات؟

البحرين بصدد إصدار قانون لمكافحة الاتجار بالبشر، كما قامت الحكومة أخيرا باتخاذ عدد من الخطوات في اتجاه مكافحة الاتجار بالبشر، إذ تم تشكيل فريق عمل معني بالاتجار بالأفراد من وزارات الداخلية والعمل والتنمية الاجتماعية والعدل، وكذلك النيابة العامة ودائرة الشئون القانونية. خليجيا، اعترف مقرر لجنة حقوق الإنسان في مجلس الامة الكويتي النائب السلفي وليد الطبطبائي بوجود «التجاوزات»، وقطريا، في قطر أعتبر الأمين العام لمنظمة حقوق الإنسان الحكومية علي بن صميخ المري، تقرير الخارجية الاميركية بأنه تقرير «غير عادل»، وأنه «أغفل الكثير من التطورات الايجابية التشريعية والتنفيذية في هذا المجال».

السعودية رفضت التقرير والتصنيف الأميركي معا، وأكدت رسميا وعبر وسائل إعلامها بأن ثمة قضايا سياسية أخرى تحاك من وراء التقرير، البعض منها يتعلق بالعملية الاقتصادية، والآخر يتصل بموضوعات أخرى. الكثير من الإجراءات الحكومية السريعة لمعالجة موقف البحرين لا تعد مجدية في ظل بقاء الكثير من التنظيمات العمالية، وخصوصا نظام «الكفيل» الذي تم تعديله وتخفيف بعض قيوده، لكنه في الحقيقة لايزال قائما ومعارضا للكثير من المطالبات والاشتراطات الدولية المرتبطة بضمان حقوق الإنسان وحقوق العمالة المهاجرة.

عمالة «وافدة» أو «مهاجرة»

التسمية الرسمية للعمالة الأجنبية في الخليج هي العمالة «الوافدة» وترفض الهيئات الدولية هذه التسمية، وتصر على إستبدالها بالعمالة «المهاجرة». وما بين مفردتي المهاجرة والوافدة مفارقات إجرائية عدة، لا تقف في حدود الحقوق والواجبات، بل وتتصل كما أسلفنا بموضوعات أكثر خطورة، تصل حدود حقوق المواطنة بعد قضاء سنوات العمل المطولة. وهو ما ترفض دول الخليج كافة المضي في مراهناته التي قد تأتي لها بمشكلات وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة.

بحرينيا، أنشئت جمعية حماية العمالة الوافدة في العام 2005. وأزمة التسمية كما وردت بعض التسريبات أفضت إلى إذعان الدولة للتسمية الدولية، إذ تذكر بعض المصادر عن تغيير التسمية الرسمية للجمعية إلى جمعية حماية العمالة المهاجرة. وهو ما يدل على قبول البحرين لبعض الاشتراطات، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات أيضا، ما إذا كانت البحرين مستعدة لتوقيع باقي المعاهدات الدولية التي تضمن حقوق العمالة المهاجرة، خصوصا إذا ما كانت العمالة الأجنبية في البحرين تمثل بالأساس أحدى أهم الموضوعات السياسية جدلا وسخونة.

الدول المصدرة للعمالة... الأنياب بدأت تظهر

بدأت سفارات الدول المصدرة للعمالة الأجنبية في البحرين في فرض الكثير من الإشتراطات والضمانات التي من شأنها أن تحد من ظاهرة الإبتزاز والتلاعب بعمالتها المهاجرة للبحرين. ويلحظ المراقبون المحليون منذ مدة أن الكثير من السفارات في المنامة أصبحت تتدخل في تحديد سقف عام لرواتب عمالتها المهاجرة للبحرين. وبما يشمل تحديد المهمات الوظيفية للوظائف التي سيشغلها العمال الوافدون وساعات العمل الرسمي، ومكان الإقامة، ووسائل النقل، وصولا لإقرار الإجازات الأسبوعية والسنوية للخادمات اللاتي يتعرضن لإجحاف شديد في هذا السياق تحديدا. اليوم في البحرين، تفرض السفارة الفلبينية مثلا الكثير من الإجراءات الاولية لاستقدام العاملات الفلبينيات للبحرين. وتفرض السفارة على الراغبين في استقدام العاملات المنزليات من الفلبين شروطا كثيرة، وسقوفا عليا في الرواتب. من جانب أخر، تدير اليوم وزارة الخارجية الإندونيسية ملاجئ في سفاراتها وقنصلياتها في عدد من الدول، ومن بينها ماليزيا وسنغافورة وبعض الدول العربية. وقد آوت هذه المرافق الدبلوماسية في العام الماضي الآلاف من المواطنين الإندونيسيين الذين كان عدد منهم ضحايا محتملين للاتجار بالبشر. كما تساعد البعثات الدبلوماسية الإندونيسية أيضا، بالتنسيق مع وكالات حكومية أخرى، في إعادة المواطنين إلى بلدهم. ويؤكد الكثير من المراقبين أن التقارير الدولية التي انتقدت دول الخليج من جهة، ونشوء ثقافة حقوق الإنسان وتطورها في دول الخليج أخيرا من جهة أخرى، كلها أسباب أثرت في أن تتدخل الدول المصدرة للعمالة المهاجرة للخليج في الدفاع عن مواطنيها وضمان حقوقهم، خصوصا وأن غطاء دوليا بات يسير في هذا الإتجاه بقوة.

البحرين ومشنقة الاتفاقات الدولية

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاق الخاص بضمان حقوق العمالة المهاجرة في 18 ديسمبر/كانون الأول 1990، ودخلت حيز التنفيذ في 1 يوليو/تموز 2003. ويرمي هذا الاتفاق إلى تعزيز وحماية حقوق العمال المهاجرين وعائلاتهم، ولا تقتصر على العمال المسجلين - أي المهاجرين الملتزمين بالقانون المحلي - بل تسري كذلك على من ليس لديهم تصاريح قانونية للإقامة والعمل، أو من فقدوا هذه التصاريح، وهم الذين يوصفون في الاتفاق بالأشخاص في أوضاع شاذة.

ويكفل الاتفاق حقوق الإنسان الأساسية لجميع المهاجرين، بما في ذلك حقهم في الحياة، وفي إجراءات قضائية منصفة، وفي تلقي محاكمات عادلة، وحقهم في حرية التعبير والدين، والمساواة في المعاملة مع المواطنين فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وتمارس الكثير من المؤسسات الحقوقية القومية والدولية ضغوطها على البحرين وباقي دول الخليج للتوقيع على هذا الأتفاق والإلتزام ببنودها، وتتناول أحكام الاتفاق المشكلات الرئيسية الآتية القائمة في دول مجلس التعاون الخليجي بالتحديد:

- ينص الاتفاق على أنه لا يجوز إخضاع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم «للعبودية» أو إكراههم على السخرة أو العمل الإلزامي.

- تنص المادة 40(1) من الاتفاق على حق المهاجرين في تشكيل الجمعيات والنقابات في الدولة التي يعملون فيها لتعزيز وحماية مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. كما تؤكد المادة 26 حقهم في الانضمام لمثل هذه التنظيمات وفي حرية المشاركة في اجتماعاتها وغيرها من الأنشطة.

- تدعو المادة 68(1) الدول الأطراف إلى التعاون فيما بينها لمنع مثل هذه الأساليب غير القانونية أو السرية لنقل المهاجرين وتوظيفهم، وتستوجب من هذه الدول اتخاذ التدابير الآتية:

أولا: منع نشر أي معلومات مضللة عن الهجرة.

ثانيا: ضبط واستئصال عمليات نقل العمال الوافدين وأفراد أسرهم بصورة غير قانونية أو سرية.

ثالثا: فرض عقوبات فعالة على الأشخاص أو الجماعات أو الهيئات التي تنظم أو تدير عمليات النقل هذه أو تساعد في تنظيمها أو إدارتها.

رابعا: فرض عقوبات فعالة على الأشخاص أو الجماعات أو الهيئات التي تستخدم العنف أو التهديد أو الترهيب ضد المهاجرين الذين يعملون في أوضاع شاذة أو أفراد أسرهم.

خامسا: فرض عقوبات - حيثما كان ذلك مناسبا - على أصحاب الأعمال الذين يستخدمون عمالا في أوضاع شاذة.

العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً