العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ

الدول العربية تواجه تحديات الفقر، والحكم المحلي، وتعزيز القدرات

في ظل تعاطيها مع أجندة الألفية عقدت جامعة الدول العربية عدة اجتماعات متخصصة منها اجتماع لوزراء الشئون الاجتماعية والتخطيط للخروج بتصورات تعيد صياغة الواقع العربي بغية الوصول إلى الحكم الرشيد بحلول العام 2015. ولكي لا تصبح هذه التصورات والتوصيات مجرد إبداء حسن نيّة، أعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا صنف فيه حال الدول العربية والمشكلات التي قد تعوق تحقيق تلك الغاية.

فقد أقرّ وزراء الشئون الاجتماعية ووزراء التخطيط العرب في اجتماع مشترك عقد في مقر الجامعة العربية العام 2005 مسودة الإعلان العربي للأهداف التنموية للألفية. كما أقروا إعلان القاهرة للأهداف التنموية الثمانية التي حددتها القمة الأولى في الألفية الجديدة التي عقدت العام 2000.

وعبر إعلان القاهرة عن موقف المجموعة العربية من تنفيذ الأهداف الثمانية والمتمثلة بالعمل على إزالة الفقر المدقع والجوع، والتأكيد على الحق في التعليم الأساسي، والالتزام بضرورة القضاء على التمييز ضد المرأة، والرعاية الصحية الأولية، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان تمتع المعوقين الكامل بجميع الحقوق، وتعزيز البرامج والسياسات الهادفة إلى استدامة البيئة والحفاظ عليها، وتفعيل الشراكة العالمية من أجل التعاون للقضاء على الفقر، وتقليص الفجوة الرقمية.

وتضمن إعلان الأهداف التنموية للألفية في الوطن العربي أولويات الأهداف التنموية العربية في خطط التنمية والبرامج التي تكفل تنفيذها قبل حلول العام 2015 وأهمية تفعيل التعاون الدولي من أجل توفير التمويل اللازم لتحقيق غايات التنمية ورصد الموارد المطلوبة لإنجاز خططها وأهدافها.

وحدد الإعلان الكثير من الوسائل القادرة على توفير الموارد ومن بينها معالجة مشكلة الديون وزيادة المساعدات الرسمية للتنمية كميا ونوعيا وتكثيف الاستثمار المباشر في الدول العربية بما يضمن الوصول إلى هذه الأهداف وفقا للبرنامج الزمني المرسوم لها في الإعلان العالمي للألفية.

هذا ما اتفقت عليه الدول العربية من حيث المبدأ، لكن كان لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي رأي آخر. فقد ذكر التقرير النهائي لورشة العمل الإقليمية وشبكة المعنيين بشأن تخفيض الفقر وتعزيز القدرات والحكم المحلي الذي عقد في شرم الشيخ في سبتمبر/ أيلول العام 2007 أن فرص تحقيق التنمية البشرية وأهداف الألفية التنموية في المنطقة العربية تعتبر جيدة، ولكنّ جهودا أكبر لا بد من بذلها إذا كانت المنطقة جادة في تحقيق أهداف الألفية العام 2015.

ويقول التقرير إن طريقة تتبنى وجهات نظر علوم عدة في آنٍ معا هي فقط القادرة على دعم التنمية البشرية وتحقيق أهداف الألفية ولتؤمن دعما شموليا متعدد القطاعات لمعالجة الأهداف الفردية ضمن سياق إقليمي ومتعاظم التأثير.

ويأخذ مثل هذا المنهج متعدد العلوم في الاعتبار ثلاث مسائل هي: تخفيض الفقر، والحكم المحلي، وتعزيز القدرات. فهذه المسائل ذات أهمية حيوية للمنطقة العربية.

الفقر في المنطقة تحديدا يبقى أولوية والمؤشرات تدل على أن معدلات الفقر ما برحت مرتفعة وأن الفروق في توزيع الثروة بازدياد. أما تعزيز القدرات فهو اليوم أكثر تحدٍ تنمويٍ ملحٍ في عملية تطوير القدرات الوطنية لإنهاء الحلقة الخبيثة للفقر واللامساواة والدمار البيئي.

وتحتاج المنطقة أيضا إلى أن تتفهم بصورة أفضل كيف تطبق إصلاحات الحكم المحلي من خلال اللامركزية وزيادة المشاركة والتمثيل السياسيين. ومن دون العمل المنسّق لمواجهة هذه التحديات، فإن المنطقة قد لا تحقق أهداف الألفية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأبعاد الجنسية تم التركيز عليها عبر كل الجلسات، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة ما بين الفقر والجنس والسياسات المناصرة للفقراء.

أما هدف التنمية المحلية، باعتباره معبرا عن تقاطع سياسات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مجالي الحكم الصالح وخفض الفقر، فهو واحد من أدوات ديمومة تحقيق أهداف الألفية التنموية. ولكن العاملين في مجال التنمية المحلية عليهم أولا أن يستوعبوا مفاهيم تعزيز القدرات وطرقها وأدواتها لكي يشكلوا ويدعموا وينفذوا استراتيجيات التنمية المحلية والوطنية الهادفة إلى تحقيق أهداف الألفية.

المنطقة العربية والفقر

تدل بعض التقديرات على أن الفقر في المنطقة العربية يشمل نحو 23 في المئة من السكان، منهم ما يصل إلى نحو 18 في المئة يعيشون تحت خطوط معدلات الفقر الوطنية الدنيا كما حددتها التقارير الوطنية لأهداف الألفية التنموية. وبحسب تقرير المنطقة العربية لأهداف الألفية التنموية للعام 2005، اعتمادا على معطيات معدلات الفقر الوطنية، فإنه ليس من المرجح أن تتمكن المنطقة العربية ككل من تحقيق هدف تخفيض الفقر من دون جهود منظمة وموارد إضافية.

وتحتوي المنطقة أيضا على اختلافات كبيرة في معدلات الفقر بين البلدان والأقاليم، وهذه المسألة تزداد تعقيدا بسبب غياب الإحصاءات المتجانسة، النابعة من منهجية مشتركة، عن الفقر. وتواجه المنطقة العربية صعوبات في جمع البيانات وحساب معدلات انتشار فقر تعكس بصورة دقيقة حال الفقر فيها. وهذا يعود أساسا لغياب المسح والمنهجيات المتجانسة إذ لا تتوافر إحصاءات عن معدلات الفقر أصلا.

وهناك حاجة ماسة إلى مراجعة طرق قياس الفقر السائدة، وللترويج لتوحيد التعاريف والمؤشرات، حتى نتمكن من القيام بمقارنات بين وضمن الأقاليم. ويجب تطوير سياسات وأدوات جديدة لا تعبر فقط عن الأبعاد المتعددة والطبيعة المتنوعة للفقر في المنطقة العربية، بل تقدم أيضاَ حلولا جديدة لمساعدة المنطقة على تحقيق أهداف التنمية الألفية المتعلقة بالفقر.

تعزيز القدرات والتخطيط الاستراتيجي القائم على أهداف الألفية

يستلزم تعزيز القدرات والتخطيط الاستراتيجي القائم على أهداف الألفية دمج أهداف الألفية التنموية في عمليات التخطيط المحلي من خلال تعزيز قدرات اللاعبين المحليين في مجالات التخطيط الاستراتيجي والتشاركي، وفي مجالات التنفيذ والمراقبة، وفي مجال تسهيل الاستثمار في التنمية الاقتصادية المحلية وإيصال الخدمات.

وهذا يعني تكييف أهداف ومؤشرات أهداف الألفية التنموية مع السياق المحلي وتنسيق استراتيجيات التنمية المحلية مع أهداف ومؤشرات أهداف التنمية الألفية المحلية وتعزيز قدرات اللاعبين المحليين على التخطيط والتوصيل الفعلي للخدمات وبناء روابط ملائمة بينها وبين التنمية الوطنية المستدامة واستراتيجيات تخفيض الفقر. وعمليا، من أجل أن تكون فعالة، فإن هذه الأجندة المحلية تعتمد بدرجة عالية على اللامركزية وإصلاح الحكم المحلي.

سبق أن تمت الإشارة إلى أن تعزيز القدرات هو اليوم أكبر تحدٍ تنموي ملح في عملية تعزيز القدرات الوطنية لكسر الحلقة الخبيثة للفقر واللامساواة والدمار البيئوي. وفي هذا الإطار، يحتاج القائمون على التنمية لاستيعاب مفاهيم ومبادئ ومناهج وأدوات تعزيز القدرات لكي يتمكنوا من صوغ ودعم وتنفيذ استراتيجيات تعزيز القدرات الوطنية والمحلية الهادفة إلى تحقيق التنمية البشرية المستدامة، وأهداف الألفية التنموية والأولويات الخاصة بكل بلد.

المنطقة العربية والحكم المحلي

باتت الدول تدرك أكثر فأكثر أن الحكم الصالح هو إطار تمكين لا بد من وجوده المسبق لتحقيق أهداف الألفية التنموية. ولكن إصلاحات الحكم المحلي لم تتحقق بعد بشكل كامل في المنطقة. فمع أن اللامركزية التزامٌ قديمٌ بالنسبة إلى معظم الدول العربية، فإنه التزامٌ لم يجرِ تطبيقه بشكل مرضٍ. ومازالت معظم الدول العربية دول تقوم على الحكم المركزي فيما يتعلق بالموارد واتخاذ القرار، وحيث تطبق اللامركزية، فإن ذلك يكون أكثر من خلال تفويض الخدمات الإدارية.

وتبقى اللامركزية ديمقراطية الطابع وضعيفة بسبب التطبيق الرديء وبسبب القيود المفروضة من الحكومات المركزية. وقد أبقيت المؤسسات المحلية تحت سيطرة الحكومات المركزية من خلال عدد من الوسائل، أبرزها الوسائل المالية. كما أن فوائد وصول الخدمات تبقى متركزة في مناطق معينة وشرائح اجتماعية محظوظة محددة. وتكشف الخدمات المحلية نقاط الضعف المعيقة لتقدم ونموّ الناس الفقراء، كما أن تقديم الخدمات المحلية يقيده المعدل المرتفع لنمو السكان والمدن.

تقوم الكثير من البلدان العربية بإصلاحات في مجال الحكم المحلي تتراوح بين مأسسة السلطات المحلية وإصلاح الأطر القانونية. ولكن تبقى عوائق عدة منها الالتزام غير المتكافئ بمشروع الإصلاح وقلّة التمثيل وضعف الصلة بين الدولة والهيئات المحلية من مواطنين ومجتمع مدني وقطاع خاص، ناهيك عن القدرات الهشّة.

العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً