العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ

ريتا هايوارث: نجاح على عرش هوليود وحلم وحيد: تكوين عائلة

قرأت «ألف ليلة» فتزوجت علي خان وأمام أورسون ويلز كانت تجلس كالحمقاء

هل النجاح صنو السعادة؟ وهل يمكن للنجومية في الفن أو في غير الفن أن تضمن لصاحبها سعادة مثلى وعيشا هنيئا؟ كثيرون قد يجيبون على هذين السؤالين بالإيجاب. غير أن حكايات بعض «أسعد» نجمات هوليوود كفيلة بأن تكذب هذا كله. في العدد الفائت من «الوسط» حكينا حكاية ناتالي وود التي كان الناس يعتقدونها أسعد البشر، ورأينا كيف أن حياتها تلك كانت حياة تعاسة قصوى انتهت بها جثة هامدة فوق سطح الماء. وهنا حكاية فاتنة أخرى من الفاتنات اللواتي تربعن على عرش هوليوود:

ريتا هايوارث التي بشعرها الأحمر وسيرتها التي كانت تروى وأفلامها الناجحة وزيجاتها الشهيرة كانت مثالا للسعادة، غير أن موتها وحيدة بمرض أفقدها ذاكرتها كشف، وعلى لسانها قبل ذلك، كم أن ذلك كله لم يكن أكثر من وهم: من اسمها ذي الرنة الانجلوساكسونية إلى شعرها إلى أفلامها، وصولا إلى ارتباط اسمها بملك غير متوج من ملوك الفكر في هوليوود: اورسون ويلز، وبأمير حقيقي هو علي خان الذي سيفضل عليها عارضة أزياء ذات يوم.

عندما نشرت في العام 1987 الصور التي تري ريتا هايوارث في أيامها الأخيرة قبل أن يقضي عليها مرض الزهايمر الرهيب، لم يصدق الناس ما يرونه بأنه بأم أعينهم: هل هذه المرأة العجوز هي هي ريتا هايوارث، تلك الساحرة التي عشقها الملايين عبر الشاشة، وأغرم بها عشرات الرجال في الحياة العامة؟

هل هي نفسها تلك الحسناء ذات الشعر الأحمر التي ألهبت المخيلات في «جيلدا» وأضنت الأكف تصفيقا في «الملائكة وحدها لها أجنحة»، وصارت نجمة المثقفين المفضلة ذات حين أعطاها أورسون ويلز الدور الرئيسي في حياته كما في فيلمه «سيدة من شانغهاي»؟ كان الفارق كبيرا وبالكاد يصدق، وكان السؤال الأول الذي انطرح في الأدهان هو: كيف يمكن للزمن، أو للمرض، أن يحول تلك التي كان كثيرون يرون أنها أكثر نساء القرن العشرين فتنة، إلى بقايا امرأة عجوز تحتضر وحيدة، وسط زجاجات الخمر عاجزة حتى عن استعادة ذكرياتها، بسبب نوعية المرض الذي أصابها؟ يومها، إذ عجزت ريتا هايوارث عن استعادة الذكريات آخر أيامها، تولى هذه الاستعادة، عنها الكثيرون وراحوا يتذكرون سنوات طويلة تربعت خلالها تلك الفاتنة على عرش هوليودد وعلى عرش القلوب. وكانت رمزا للجمال والحيوية، حتى وإن كان من الصعب القول إنها كانت رمزا للسعادة. إذ إن الواقع يقول لنا إن ريتا هايوارث لم تكن أبدا سعيدة، على رغم غرامياتها الكثيرة وأفلامها الناجحة وزواجها من بعض كبار هذا العالم وعلى رأسهم أورسون ويلز وعلي خان، الذي أنجبت منه ابنتها ياسمين.

ومن هنا، بسبب هذا الواقع الأخير، واقع أن ريتا هايوارث لم تبد أبدا سعيدة في حياتها، راح متابعو أخبارها يتذكرون، حين وصلهم نبأ مرضها وموتها، كيف أن نهايتها كانت قبل ذلك بكثير, وتذكر صحافي في مجلة فنية أميركية كيف أنه حين اتصل بها نهاية سنوات السبعين يزف إليها نبأ عودة الاهتمام بها وبأفلامها في بلدان نائية من هولندا واستراليا واليابان، فوجئ بها تصمت قليلا عبر سماعة الهاتف، ثم تقول بصوت لا مبال تماما: «كل هذا لا يهمني».


امرأة منتهية

ذلك أن ريتا هاييوارث كانت تعتبر نفسها امرأة منتهية، منذ طلقت علي خان، الذي كان ثاني أكبر حب في حياتها بعد أورسون ويلز، كما تعتبر نفسها نجمة منتهية، منذ حلت صور مارلين مونرو محل صورها على خزائن الجنود وفي دفاتر طلاب الجامعات. وهي على أية حال قالت هذا بنفسها في واحد من آخر الأحاديث الصحافية التي أدلت بها، إذ قالت: «ذات يوم وجدت ان باشا يصعب علي أن استعيد مكانتي وأن أبرهن على قيمتي كممثلة ونجمة، وذلك بكل بساطة لان هوليوود كانت قد عرفت نجمة إغراء جديدة، شقراء حقيقية بدت نازلة من الفردوس مباشرة. إنها مارلين مونرو التي حلت مكان جيلدا في مخيلات الناس وعلى واجهات المخازن. منذ تلك اللحظة راحت رسائل الإعجاب التي كانت تنهال علي قبلا، تنهال عليها. بالنسبة إلي كانت مارلين تشبه حبة البطاطا لا أكثر. ولكن هو الزمن، حين يتبدل تتبدل الموضة، ولا سيما فيما يتعلق بالمرأة/ النجمة وقدرتها على الإثارة».

ريتا هايوارث، هي، لم تكن تشبه حبة البطاطا على الاطلاق. كانت بالأحرى تشبه المثل الاعلى النسائي بامتياز، واللافت أن حسنها ونضوجها كانا واضحين منذ سنوات صباها الأولى. فتلك الأنثى الرائعة المولودة في بروكلين في العام 1918، لأب إسباني الأصل وأم ايرلندية، بدأت تفتن الذكور باكرا جدا. ولنتركها هي تروي ذلك: «أنا منذ بدايتي كنت نجمة كبيرة ومجنونة كبيرة أيضا... لكنني لم أتمكن من منع الآخرين من التلاعب في، وذلك بدءا من والدي الذي كان من فناني الكابارية. كنت في السادس حين طفقت أدور معه من كابارية إلى آخر حيث نقدم «نمرتنا» تحت اسم «ادواردو بيبي كانسينو والدعوة ريتا». في ذلك الحين كنت أتقن أنواع الرقص جميعا. وكان الرجال يحبونني وكنت أدرك ذلك بالغريزة. أمي كانت ايرلندية واسم عائلتها هاوارث، ومنها أخذت اسمي بعد أن حرفته قليلا ليصبح هايوارث. كانت أمي سكيرة من الدرجة الأولى، ولم تكن لتشعر بالسعادة إلا حين أذهب أنا وأبي إلى العمل، لتبقى وحدها وتجرع زجاجات الشراب من دون هوادة. كنا في ذلك الحين نعيش في عربة مثل الغجر، وكنت أحسد الناس الذين لديهم بيوت واسعة مدفأة. وهكذا ما إن بلغت السابعة عشر من عمري وأحسست أن في إمكاني مذاك أن أعتمد على نفسي، حتى تركت البيت وتوجهت إلى وسط نيويورك. صحيح أنني عرفت الجوع هناك في أيامي الأولى، لكنني سرعان ما تمكنت من الحصول على عمل في بعض الملاهي الصغيرة، هناك كنت أرقص وأغني، ولكن الأساسي في عملي كان مرافقة الزبائن آخر الليل».


لم تعد تبالي

طبعا هذا الجانب من حياتها، لم تكن ريتا هايوارث ترويه خلال المرحلة التي صارت فيها ملء الاسماع والأبصار. لكنها في سنواتها الأخيرة، حين لم تعد تبالي بأي شيء، وحين راح المرض يفتك بها راحت تروي وتروي، وكأنها تخشى أن يستبد بها المرض وتنسى كل شيء. وهو ما حدث بعد ذلك حقا. ولكن من ذا الذي كان في وسعه أن يصدق ما ترويه ريتا هايوارث وهي تعيش مرارة أيامها الأخيرة؟ بالنسبة إلى ملايين المعجبين بها، كانت ريتا، ولاسيما في الأربعينيات والخمسينيات تمثل رمز النجاح والسعادة المطلقة. ففي السينما لعبت تحت إدارة كبار المخرجين ورأى كثيرون أن ثمة تزاوجا خلاقا لديها بين الممثلة والنجمة. وفي الحياة الاجتماعية جاء زواجها اللاحق من علي خان، وقضية رفض الفاتيكان مباركة ذلك الزواج، ليضفي على تلك الفاتنة هالة المرأة الصلبة المتمردة، حصوصا أن علاقتها بعلي خان جعلتها نجمة كبيرة من نجمات مجتمعات العالم.

مهما يكن في الأمر فإن سيرة ريتا هايوارث الفنية كانت سيرة مثالية لفنانة قديرة عرفت ساعات المجد كما عرفت ساعات الهبوط. وكان مصيرها مشابها لمصير معظم بنات جيلها. وهي نفسها لم تكن لتجد غرابة في ذلك المصير، إذ إنها في معرض حديثها عن نهاية «غريمتها» الكبرى مرلين مونرو المؤسية لم يفتها أن تقول «حتى وإن من حقي أن أكره مارلين مونرو لأنها أخذت مكاني على عرش هوليوود، فإنني أتألم لها حين أذكر نهايتها الحزينة. لقد كانت نهاية مثالية تشبه نهايات كل النساء اللواتي يشتهرن بجمال أجسادهن. وحدهن النساء اللواتي يتمتعن بالكثير من الموهبة وبالقليل من الإثارة، من أمثال بيتي دايفز يمكنهن أن يعشن، في فنهن، طويلا».


تعويض للزوج الأول

عرفت ريتا هايوارث، بداية المجد الفني، وكانت بعد في السابعة عشر من عمرها، إذ إنها وصلت هوليوود بعد فترة قضتها في نيويورك، وقيض لها أن تلعب ادوارا صغيرة في بعض الأفلام. وفي العام 1939 حدثت المعجزة: اكتشفت كممثلة جيدة من قبل المخرج هوارد هاوكس الذي اعطاها أول أدوارها الكبرى في فيلم «وحدها الملائكة لها أجنحة». كان نجاحا فوريا لفت إليها أنظار مسئولي شركة «كولومبيا» الذين أسرعوا بتحويلها من فاتنة سمراء سوداء الشعر، إلى امرأة ذات شعر أحمر ترتدي ثيابا تكشف عن مفاتن، وابتسامة ساخرة تكشف عن قوة في الشخصية. وهي على ذلك النحو ظهرت في فيلم «دم ورمل» لروبن ماموليان (1940) ثم في «الشقراء ذات طعم الفريز» (1941) و»جوني ايفر» (1941 ايضا). ولم يعد في وسع شيء أو أحد أن يوقفها منذ ذلك الحين، إذ قررت أن النجاح الذي حققته يجب أن يتواصل. وهي إذ تزوجت عندها منتجا هوليووديا ثريا يدعى ادوارد جادسون، تعاملت معه كمدير أعمال أكثر منه زوجا. وهو رد لها الصاع صاعين لاحقا. إذ إنه خلال زواجهما ساعدها على تبديلات في شخصيتها وكان هو دافعها إلى تغيير اسمها. وحين أرادت أن تطلقه في العام 1941 طالبها بتعويض قدره 30 ألف دولار، حصل عليه بالفعل.


أن تتزوجي رجلا ذكيا

في العام 1946، وبعد أفلام راقصة مع فرد أستير وجين كيلي، أكدت من مكانتها كنجمة من طراز وفيع، كانت انطلاقتها الثانية الكبرى في «جيلدا» الفيلم الأسطوري الذي لا يزال حتى يومنا هذا يثير مخيلة المتفرجين ويعطي هوليوود تلك المرحلة دروع النبالة. وإثر ذلك كان لقاؤها مع أورسون ويلز، وهي نفسها روت ظروف ذلك اللقاء وما ترتب عليه قائلة: «بعد فترة دخل فيها فيكتور ماتيور حياتي، اضطر فيكتور إلى التوجه نحو الجندية وشعرت بفراغ كبير. هنا في ذلك الوقت بالذات تلقيت مكالمة هاتفية من أورسون ويلز الذي عرض على دورا أساسيا في فيلم جديد له. ما إن وضعت سماعة الهاتف، حتى صرخت من أعماقي: يا للسماء! أنه العبقري الذي تتحدث عنه أميركا كلها، منذ صدمها بمسلسل «أهل المريخ» الإذاعي في العام 1938، ثم صدمها مرة أخرى بفيلم «المواطن كين». قبل ذلك لم أكن قد مثلت سوى في أفلام متوسطة أو متواضعة، من ناحية مضمونها على الأقل. لكنها كانت أفلاما ناجحة جاورت فيها كبار الكبار في هوليوود، من غلين فورد إلى جيمس كاغني إلى تايرون بادر وفرد أستير. إذا، حين اتصل بي أورسون ويلز كنت على أتم استعداد للقبول بالعمل معه. وعلى الفور قلت له نعم وتواعدنا على اللقاء. وهو دعاني إلى الغذاء ثم أخذني إلى الأستديو الذي يعمل فيه وراح يقدمني إلى الموجودين جميعا بوصفي صديقة قديمة له. ولا حقا تنبهت إلى أن كل الذين التقيت بهم في تلك اللحظة وأنا في صحبته، كانوا ينظرون إلى نظرة غريبة. وأدركت أن تلك كانت طريقة أورسون في الغزل. في الأحوال كافة كنت شديدة السعادة. ومنذ تلك اللحظة صرنا نرى بعضنا بعضا بشكل يومي ثم تزوجنا وتحدثت الصحافة عن زواجنا على أنه «عرس العصر»... ولكن لماذا انتهى ذلك الزواج السعيد بالطلاق؟

ببساطة، قالت ريتا، لأن أورسون ويلز كان من الذكاء والعبقرية بحيث أن أذكى الأذكياء كانوا يبدون بالمقارنة معه حمقى. وأنا لم تكن لدي في ذلك الحين أية بضاعة ثقافية، بينما كان أصدقاؤه هو، الذين علينا أن نلتقي بهم يوميا، من الكتّاب والصحافيين والفنانين الكبار. وكانوا يتحدثون عن أمور لا أفقه عنها شيئا. لقد حاول أن يساعدني واقترح علي أن أقرأ كتبا، لكنه في النهاية كان يفقد صبره. في البداية اعتقدت أن ذلك التفاوت سينتهي مع و لادة ابنتنا ريبيكا، التي أعطت أورسون «طعم السعادة». غير أن تلك السعادة لم تكن من نصيب ريتا حتى وإن كان أورسون قد حاول دائما أن يسوي الأمور. وانتهى الأمر إلى الطلاق، ولا سيما بعد «الكارثة» المادية التي أسفر عنها عرض فيلم «امرأة من شانغهاي» الذي مثلته تحت إدارته، والذي حين بدأ يعتبر واحدا من كلاسيكيات السينما كان الأوان قد فات.

لقد ظلت ريتا هايوارث تحتفظ لأورسون ويلز بمكانة كبيرة في قلبها حتى أيامها الأخيرة، لكن هذا لم يمنعها من أن تقول إنه إذا كان رجلا عظيما وفنانا كبيرا، فإنه كان زوجا سيئا.


ألف ليلة وليلة

الزوج الجيد عادت ريتا ووجدته في علي خان، ذلك الرجل الشرقي الفاتن الذي كان واحدا من كبار نجوم مجتمع العالم في ذلك الحين، والذي سيعطيها السادة التي لم يتمكن أورسون ويلز من توفيرها لها. ولكن، أيضا، بشكل موقت: «منذ البداية، روت ريتا هايوارث، أحسست بانجذاب كبير نحو علي خان الذي التقيت به مصادفة في إحدى الحفلات في الكوت دازور. في ذلك الحين كان علي خان حلم كل نساء العالم. وكنت قد توجهت إلى الجنوب الفرنسي بعد نجاح جيلدا وفشل زواجي من أورسون ويلز. وهناك، في وحدتي وأيضا في إقبالي على الحياة، بدا لي علي خان عاشقا مثاليا: كان فاتنا من الناحية الشكلية، عميقا من الناحية الإنسانية وثريا جدا. وهو اهتم بي منذ تعارفنا وأخذ يمسك بيدي في كل لحظة. وحين كان يمسكها كنت أحس برعشة غريبة، أنا التي كنت قرأت «ألف ليلة وليلة» في صبايا وحلمت دائما بأمير شرقي ساحر أعيش معه حكاية خرافية. لذلك تجاوبت معه ولم أعد أهتم بعملي الفني، بل ابتعدت عن السينما تماما: كان لدي رجل أحبه ويحبني وكنت أعيش كالأميرة. وتزوجنا على رغم اعتراض الفاتيكان لزواجي من مسلم وأنا كاثوليكية. وأسفر الزواج عن إنجاب ابنتي ياسمين، وهنا مرة أخرى تكرر ما حدث مع أورسون ويلز: أخذ الأب يهتم بالأبنة أكثر من اهتمامه بأمها. «وهكذا في الوقت الذي كنا فيه، معا، نمثل رمز العائلة السعيدة، كنت أشعر أنني الطرف الأضعف في تلك المعادلة. وحين بدأت أتمرد على واقعي، ولو بشكل مبطن، تذكر علي خان أن من حقه أن يحب ويتزوج نساء أخريات. وكان من بينهن عارضة أزياء شابة خلبت لبه، فراح يظهر معها علنا ويطارحها الغرام فيما أنا منهمكة في تربية ابنتنا. وأدركت أنني قد خسرت مرة أخرى. ولم يعد أمامي إلا أن أطلب الطلاق. وهو ما حصلت عليه في العام 1953».

@ من كتاب «حكايات صيفية»

العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً