العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ

محمد جمال: التراث الشعبي جزءٌ من الهوية الثقافية وليس للبهرجة والإكسسوار فقط

مركز الشيخ إبراهيم يتكفل بطباعة «معجم الألفاظ والتعابير الشعبية البحرينية»

في برنامج «مسامرات ثقافية» والذي يبث اليوم على الوسط أون لاين، راق لنا أن نستضيف الباحث في التراث الشعبي محمد أحمد جمال وصاحب البرنامج الإذاعي الشهير معجم الألفاظ والتعابير الشعبية البحرينية، الذي يشدّد على أن التراث الشعبي جزء من الهوية الثقافية والتاريخ الحضاري وليس للبهرجة والإكسسوار فقط، فحلّقنا معه في شيء من سيرته الذاتية وبداية حكايته مع التراث، ونصيب شهر رمضان من التراث الشعبي، وأهم السمات اللغوية التي عادة ما يشير إليها في معالجته للألفاظ الشعبية البحرينية متسائلين لماذا لم يطبع جهده البحثي حتى هذه اللحظة.

وبدأ جمال مهنئا الوسط: «لا أقول إطفاء سبع شمعات إنما أشعال سبع شمعات من عمر الوسط المديد ويسرني أن أقدم التهنئة إلى القراء أولا ثم إلى العاملين في هذه الجريدة التي أعطت زخما ثقافيا كبيرا جدا للوسط الثقافي البحريني ولأصحابها متمنيا للجميع التوفيق».

* هل لك أن تحدثنا عن رحلتك مع التراث الشعبي وكيف بدأت حكايتك معه؟

- ولدت في المحرق فريق العممارة، أعشق الموسيقى وآلة الكمان بالذات فكانت هاجسي إذ كنت أحلم بها كما يحلم أي طفل بلعبته، أحلم بآلة الكمان حتى كبرت وتخرّجت من الثانوية وعملت في المكتبة العامة فكان راتبي 425 «ربية» كنت أساعد والدي في مصروف البيت وأحتفظ بجزء لنفسي لأدرس الموسيقى خارج البحرين وبعد أربع أو خمس سنوات تكونت عندي حصيلة مادية بسيطة فقررت السفر إلى القاهرة ودرست الموسيقى، فنلت الدبلوم والبكالوريوس، أما قصتي مع التراث فصدفة كنت أسجل ما يمكن تسجيله من تراث أهل البحر فقلت للنهام «علي من صوتك يخويي» فما فهم المفردة فراح واحد يترجم له «أزعي أزعي بمعنى أزعج أو أزعق» في فترة لاحقة عرفت معناها، فقام يغني «يا فنجري وأصعد الدوم جواعد البحر ضاعت، يا بحر ما فيك معروف، ضيعت شوقي وأنا أشوف» يعني كرجل محب للموسيقى والفن والشعر، هزتني الكلمة العامية البسيطة فقلت لمن هذه الأبيات، فقال ورثناها عن الأباء والأجداد لا ندري من كتبها، لما رجعت البيت تساءلت ما هو الفنجري وما هو الدوم الذي يركبه ماذا يقصد بـ «جواعد» هل هي قواعد لماذا قال «جواعد» بينما الجيم تبدل في اللهجة البحرينية إلى ياء بعدها عرفنا أنها إرث تميمي أو لهجة تميمية، هذه نقطة البداية أولا فرأيت أن للعامة بلاغتهم فاتخذت مسار الاهتمام بالتراث الشعبي وبالموسيقى فكنت مشرف الموسيقى في إذاعة البحرين ثلاثين سنة، وآخر سنتين من وظيفتي عُينت مستشارا للتراث في إدارة الثقافة ثم أحلت نفسي للتقاعد المبكر.

* التراث الشعبي له عدة محطات في شهر رمضان ما أهم ملامح هذه المحطات؟

- الواقع أن الموطن البحريني يعيش 11 شهرا ويأتي شهر تختلف فيه حياتنا، وهو شهر رمضان يمكن أن أقول ما موقع التراث الشعبي في شهر رمضان، ونجد أنه يؤثر في حياة الجميع، هناك كم هائل من الأهازيج ابتداء من أهازيج استقبال رمضان «حياك يا ارمضان يابو القرع والباذيجان» وانتهاء بأهزوجة الوداع ذاك اللحن الحزين مع المسحر «يا الوداع يا الوداع يا رمضان، عليك السلام يا شهر الصيام، ودعوه يا كرام»، والسفرة الرمضانية في الوطن العربي معروفة، وللهريس أجواؤه إذ إن العوائل الكبيرة حين تقوم بطبخ الهريس تجيء بأناس يدقون حب الهريس فأذكر المنحاس وهو هاون كبير جدا خشبي، وعندهم أمنان من الحب يقومون بهرسه وتحضيره لعملية الهريس، أذكر في كثير من ميادين المحرق علامة من علامات قدوم رمضان لما نرى بودحمة وجماعته يقومون مع الترانيم الجميلة بدق الهريس «يابن علي شيل الله، يابن علي شيل الله. والنسوان أيضا يقولون «يايمه يايمه يايمه يايمه وشقال الحميدي قال الحميدي المغني يايمه وشقال الحميدي، أح، أح» هذا أح صوت ضربة المنحاس في دق الهريس، وأذكر أغنية ريفية جميلة لأم ريفية تتغنى على ولدها تقول «هلا بالي له حنة ورنة بمن ركب النخلة وغنه، هلا بمدقدق البزار في مناحيس الكبار، هلا بمن غاص شتية بحار» فهي جمعت أكثر من صفة في ولدها القادم، غواص جيد في «الشتية» ويدق المنحاس أيضا مع الجماعة الذين يدقون مناحيس الحب، والبزار وغيرها ويركب النخلة ويغني وفيه صفات جميلة جدا.

ومفردة القرقاعون معروف أن القرقعة هو الازعاج وصوت ارتطام شيء بشيء، وقرع الطبول الكبيرة ترى أنهم يصدرون الازعاج يقرقعون يريدون نوعا من الهدية البسيطة المقولة الرسول الكريم «من فرح جاهل فرح نبي»، واندرج هذا الحديث بصيغة شعبية على ألسن الجميع فتفريح الجاهل يحدث في العيد أو في شهر الخير، في عمان يسمونه «أعطونا الحق»، القرقاعون سموه الحق لأن من حقنا نحن كأطفال أن نفرح فأعطونا الحق، أيضا الإمارات يسمونه الحق، نحن وقطر والكويت نسميه قرقاعان وقريقعون وقرقاشو المهم هي حكاية صوت قرع الأدوات مع بعض قرقعة والنون هذه جاءت من الذين يقرقعون وثمة كلمات هي جميلة «سلم ولدكم يا الله وأتخليه لمه» دعاء للولد «يجيب المكدة يحطها في كم أمه» هذا نمط من السلوك الاجتماعي، أما البنات فتقول «الله يسلم ولدكم ولدكم يا الحباب، وسيفه يرقع الباب وسنة الغله ما صكه» سنة الغله سنة القحط ما «صك الباب» ولا وضع له بوابة من الكرم الزائد أن بابه مفتوح وكانت البيوتات الكبيرة في البحرين في الريف وفي المدينة وفي القرى، من ينعم عليه الله يفتح بيته، ولا يقفله ويأتيه الفقير الجوعان يجلس ويأخذ رزقه فهذا نمط من أنماط من السلوك الاجتماعي الموجودة في هذه الأناشيد ويحتاج من يزيل عنها التراب ويخرجها.

* ما أثر التراث الشعبي في الناس كيف يتأثر هو بالناس، الذين ينتجونه وهو يعيد إنتاجهم من خلال صوره، أمثلته، حكاياته وكثير من محطاته؟

- هو إبداع شعبي لنمط الحياة التي يحياها المواطن البحريني منذ ولادته، فثمة إبداعات كثيرة أغاني، شعر، ألعاب، أكلات، نمط حياة، أسلوب عيش، إذا التراث الشعبي هو الوعاء الذي من خلاله تنظر إلى المواطن من لبسه من لهجته هذه الأمور تترك بصمتها على المواطن مثل ما أن المواطن هو من أبدعها وترك بصمته عليها، هناك أمثال وأقوال سائرة تعتبر مثل النظريات التي تحدد أخلاق المواطن.

* التراثي الشعبي يعيد صياغة الكثير من المفردات، وتظهر عليه مجموعة كبيرة من السمات اللغوية حينما يردد مفردات ما أهم هذه المظاهر؟

- الذي وجدته أن بين ثنايا كلام العامة هناك ما يمكن إثراء اللغة العربية به من ألفاظ وهي من ابتكارات أبنائها هذا الكلام لفت نظري له ابن الخشاب البغدادي، وهو عالم لغوي كان يأتيه طلبة العلم من كل مكان، كما ذكر ابن دريد في أحد كتبه يقول: إن ابن الخشاب يجدوه العلماء يجلس على حلقة القصابين والمشعبذين، فقالوا له أنت أمام أهل العلم في زمانك فما الذي يبعثك على الوقوف هذه المواقف؟ فقال: لو علمتم ما لمتم فلطالما استفدت من هؤلاء الجهال معاني غريبة لطيفة تجري ضمن هذيانهم لو أردت أنا وأمثالي الإتيان بها لما استطعنا. الله أكبر إمام لغة عربية تسمع هؤلاء وتستفيد منهم، وتساءلت هل في لهجتنا من يمكن أن يفيد اللغة فوجدت أن هناك من البلاغة هناك المفردات المنحوتة ما يمكن إعادتها إلى اللغة الأم، فتكون سبب إثراء لها وخصوصا أن ثقافة العصر تلقي لنا بعشرات المصطلحات ومجمع اللغة العربية حسب ما عرفت أمامه في كل شهر عشرة الآف كلمة حتى يحولها إلى العربية.

* ما الجهود المبذولة في جمع التراث هل هناك مظاهر لهذا الجمع، من هو المسئول عن جمع التراث، ومن أين تبدأ الخطوة الأولى في جمع التراث الشعبي؟

- الخطوة الأولى أن نعرف أهمية هذا التراث على اعتبار أنه جزء من الهوية الثقافية وجزء من التاريخ الحضاري وليس جزءا للإكسسوار والبهرجة، يجب أن نعرف أن هذا إبداع شعبي وأرى في الشيخة مي الشخص المناسب كل ما هناك أنها محتاجة لطاقم عمل، وأنا أتوقع أن كل الاجتهادات الفردية التي كانت خلال ثلاثين سنة ليست فقط ناقصة بل تبعث الحسرة، أضرب مثال 25 نوعا من السفن كان ينتجه القلاف البحريني لا يوجد ولا نوع الآن في المتحف يرها أولادنا ولديهم بحيرة عظيمة تسع للعشرات، وهناك عشرات الأنماط من الأسماك يزخر بها بحرنا ولا يوجد سجل يضم هذه الأنواع من الأسماك، الآن الطفل لا يعرف إلا السمك، كل الثقافة سننساها وتتبخر إذا لم نحسس أن التراث الشعبي جزء من هويتنا وجزء من ثقافتنا، تكدسات كلاسيكية ماضية والماضي عفى عليه الزمن، كما يقال الآن وأن هذه نظرة ماضوية لذلك يتهمون المهتمين بالتراث بأنهم ماضويون بينما هم يحافظون على الهوية.

* في اللهجة الشعبية البحرينية، كثير من السمات ذات الأصول اللغوية العريقة، ما أهم هذه السمات والتي عادة ما تشير إليها في بحثك عن أصول المفردات العامية التي تعالجها في معجم المفردات الشعبية ؟

- العرب كانت تتحدث لغات وليست لهجات كان يسمونها لغة، لغة هذيل، لغة عبد قيس، لغة تميم، لغة قريش، لما نزل القران الكريم نزل بلغة قريش ونزل بمفردات كانت تتحدث بها قريش وليست ذات جذر عربي لذلك وجد علماء اللغة أن هناك أكثر من ستمئة مفردة ذات جذر سرياني وفارسي وعبري من اللغات التي سبقت العربية وتحدثت بها العرب، وهذا طبعا ذكره السيوطي في الاتقان في علوم القران وكل من تحدث عن علوم القران أورد هذه كمعلومة، كانت بني عقيل مثلا تقول نِشرب بكسر النون ولا تقول نشرب بالفتح، وبني تميم تشكشك كاف المخاطبة للأنثى تقول مثلا كتبش بدلا من كتبك وهذا ما نجده في اللهجات الآن وعشرات من هذه الأنماط بقت هذه الظواهر في اللهجات العربية نجد المصريين يقولون قمل لأن القحطانين يبدلون الجيم قافا بينما أهل الخليج يسمونها يمل وهي لغة تميمية وأهل الرياض يسمونها جمل قريبة من الجيم المشددة، وأهل لبنان جمل قريبة من الشين، وهكذا إذا بقت في اللهجة هذه الظواهر وثمة ظاهرة تسمى الخلخانية هي إلقاء الهمزة مثل صحراء العرب كانت تقول العرب صحر العرب وإلقاء الهمزة موجود لغويا يقولون ذيب ويقولون ذئب ويقولون فار ويقولون فأر نحن ورثنا ذلك نقول ذيب ونقول فار عندنا إبدال الجيم ياء وإبدال القاف غينا مثل قصص وغصص، نقول غميص وهذا موجود بالسليقة عند الإنسان البحريني، وأحيانا العكس الغبش نقول قبشة والسين صاد بني تميم هي صدر نحن نقول سدرك، سدري يبدل والعنعنة مثلا الجرءة نقول جرعة يرعة وعكسها إبدال العين ألف عكار هي أكار، أكار في الفصيحة الأكار هو الفلاح، نحن نقول عكار بالعين، الطمطانية أطوني وكنت في أجمع مادة التراث الشعبي في المحرق لقيت أم تقول «أوليديَ يا ثمر بطنيَ عساك أجازينيَ بتعبتيَ، أتحج بي حجتيَ اليمعتيَ، وتنحر لي أضحيتيَ» وكنت في فريق المخارقة مع أحد العوائل تقول لي الأم «عين زيد عين جارية عين زيد سالب أفادية» وهذا ما يسمونه لغويا إضافة ها السكت بيت بيتيَه وأضيف عليها هاء السكت فصارت بيتيَه هذا عند الحساويين وبعض أطراف قطر، هذه الظاهرة لغوية كانت موجودة عند العرب بدليل القران الكريم يقول ما «أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه» إذا هذه بعض الظواهر التي كانت موجودة في اللغات العربية القديمة والتي اضمحلت بنزول القران الكريم بلغة قريش ورثتها اللهجة.

* لك كثير من الجهود في مجال جمع التراث الشعبي، الأمثال الحكايات وأيضا معالجة المفردات الشعبية، هذا يجرنا إلى التساؤل لماذا لم تطبع هذا الجهد وتنشره؟

- في الواقع لي بعض الأبحاث المطبوعة على سبيل المثال «الفجري من الولادة إلى الاحتضار» «الصوت وإشكالية الأصل» «الظواهر الأدبية والموسيقية في الإرث الشعبي البحريني في الغناء البحري» عندي بحث عن الموال ألقيته في دار الأوبرا المصرية، عندي أيضا دراسة عن المستشرقين، عندي كم هائل من الورق ترتب عن برنامجي الإذاعي معجم الألفاظ والتعابير الشعبية البحرينية لم ينشر لسببين، فالنشر يحتاج إلى جهد مادي وطباعة وكتابة وإلى آخره وأنا الآن في صراع مع البقية الباقية من العمر والذين يتصلون بي ويتابعون الحلقات عرضوا علي الطباعة والنشر ومنهم الوجيه أحمد شويطر تاجر الحلوى المعروف والمرحوم عبدالرحمن كانو ثم الشاعر علي عبدالله خليفة من خلال مجلة الثقافة الشعبية، وعشرات الناس الذين يتصلون حتى وقع الاختيار على أم يوسف الله وأبو يوسف أحد الذين يتابعون حلقاتي أزودهم بالورق بخط يدي أعانهم الله على فك رموز خط اليد، ثم ختمت ذلك وزيرة الثقافة والإعلام سعادة الشيخة مي:« بأن مركز الشيخ إبراهيم الثقافي سوف يقوم بطباعة كتابك»، وأنا الآن أشتغل بمعدل خمس ساعات في اليوم على تجميع المادة وهي ثرية جدا تملأ أربعة أو خمس كتب واختار بعض الأبواب المهمة وخصوصا بعض الأسئلة التي كانت تردني.

العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً