العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ

إشكالية السلطة الأموية/ العباسية تكمن في العصبية

في كتابه «أركيولوجية الفساد» لقصي الحسين...

ينطلق كتاب «أركيولوجية الفساد والسلطة... في النصوص الأدبية والمدونات العربية القديمة» لقصي الحسين من النظر إلى إشكالية السلطة العربية الأموية/العباسية والسلطة العربية، على ضوء جدلية العصبية (الأيديولوجيا) كقطب والرسالة الإسلامية (المشروع الثقافي) في «تمفصلها الوقائعي حتى العصر الراشدي كقطب مقابل.

ذلك التقابل لا يبحث في جدلية الاختلاف الكلي من حيث النظر إلى السلطة باعتبارها تكليفا وليست تشريفا ضمن (المشروع الثقافي) فيما تحولت إلى تشريف ضمن جدلية العصبية (الأيديولوجيا) طوال أكثر من 500 عام أو يزيد جرت فيها الكثير من المياه تحت جسر السلطة، وكادت فيه العقيدة عبر امتحانات المدارس الكلامية المحدثة والمبتدعة وخصوصا في العصر الأموي (المرجئة) وغيرها، وإلا قليلا في العصر العباسي (القول بالاعتزال) والمحنة الطويلة التي سالت فيها دماء، أقول كادت فيه العقيدة أن ترتهن إلى تلك المدارس من جهة وعقيدة الدولة من جهة ثانية.

في ظل هكذا تجاذب اضمحل «المشروع الثقافي» ووهن؛ وخصوصا في ذروة محاولات انبعاثه ضمن حركة ترجمة عملاقة وتفرع في العلوم وازدهار في المعارف فترة الخليفة المأمون.

ذلك الاضمحلال، وجد فيه الفساد تربة خصبة ليكون واقعا قائما، وهو فساد لا يتركز على «الاستيلاء» و»المصادرة» و»الاستحواذ» بالمعنى المباشر، بقدر ما هو فساد تبدَّى واتضح في الاستغلال السيء للسلطة عبر ممارسات أخذت منحى دمويا وتصفويا؛ إذ بيئة كتلك تترك الحبل على الغارب لمن بيدهم مصائر الناس وأقدارهم لاستحداث طرق ووسائل في إدارة شئونهم من حيث القمع والقتل والتعذيب والتغييب.

صار التمييز هو العنوان الفارق والفاقع في تحقيق أسباب استقرار الدولة (كما يتوهم)؛ الأمر الذي قاد - وإن على المدى البعيد - إلى نتائج كارثية على الدولة بكل ما تملكه من مصادر معلومات ومصادرة، انقلبت فيها عقد تلك المصادر لتجد نفسها في مهبّ معارضات وكيانات باتت تهدد وجودها؛ بل هددت وجودها من أساسه بالفعل.

«ابتداء من عصر الأمويين، ابتدأت معاناة النهضة العربية من صراعات الفروقات الإثنية والطبقية والمذهبية بين الموروثات التي تتمفصل وقائعيا في التاريخ والجغرافيا. إنه شكل من أشكال العودة إلى الصراعات العصبية التي أخذت تستيقظ تباعا، بعد أن نامت طيلة المرحلة النبوية والصحابية».

ذلك التمفصل يكشف عن مفارقات مهدت لها السلطة عن قصد أو غير قصد. مفارقات قادت في أول صورها وشواهدها إلى تفرع الخروج على السلطة والتوارث، وهو خروج كلف الدولة الكثير من مواردها التي سخرت لإسكات وقمع تلك الثورات فيما المشروع النهضوي العربي المبكر تلاشى أمام ذلك الاستنزاف للموارد، فبات تجهيز الجيوش لقمع المعارضين مقدما على تخصيص الموارد للتدوين والترجمة وإنشاء بيوت الحكمة والتوسع في الضمان الاجتماعي الذي بدأ ملفتا ومغايرا بحيث يخصص لكل أعمى أجير ولكل 5 أيتام خادم ورواتب تسد حاجاتهم. كل ذلك انتهى وبات مشروع قمع الدولة وفساد المرتبطين بها هو الظاهر على السطح.

«ذلك أن الاستبداد، ليس صفة للحكم العربي، ولكنه جهازه الأول المنتج له. إنه المحصلة الواقعية للعصبية، عندما تترجم نفسها إلى سلطان سياسي. فالاستبداد يعني ممارسة الأقوى. أما الأقوى في التجربة العربية التاريخية، فهو يتمثل في الصيغة الأقرب إلى البدائية والطبيعية».


صور من فساد السلطة والنص

ابن هانئ الأندلسي لم يجد حرجا في أن يقول للخليفة الفاطمي المعز لدين الله:

ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ

فاحكم فأنت الواحد القهارُ

وكأنما أنت النبي محمد

وكأنما أنصارك الأنصارُ

وأيضا:

ندعوه منتقما عزيزا قادرا

غفارَ موبقة الذنوب صفوحا

أقسمتُ لولا أن دعيت خليفة

لدعيت من بعد المسيح مسيحا

***

قام يزيد بن المقنع، فلخص الموقف الأموي من خلافة يزيد بن معاوية فقال:

«أمير المؤمنين هذا» وأشار إلى معاوية.

«فإنْ هلك، فهذا» وأشار إلى يزيد.

«فمن أبى، فهذا» وأشار إلى سيفه!

فقال له معاوية: «اجلس، فإنك سيد الخطباء!».

***

السيوطي كما يروي، كان سليمان بن عبدالملك، من خيار ملوك بني أمية، وهو الذي أجبر الناس على أن يبايعوا على مظروف مختوم، فلما حضرته الوفاة: «دعا بقرطاس، فكتب فيه العهد ودفعه إلى أحد رجاله. وقال: اخرج إلى الناس فبايعوا على ما فيه محتوما. فخرج فقال، إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب، قالوا: ومن فيه؟! قال: هو مختوم لا تخبرون بمن فيه حتى يموت! قالوا: لا نبايع، فرجع إليه فأخبره. فقال انطلق إلى صاحب الشرطة والحرس، فاجمع الناس ومرهم بالبيعة، فمن أبى اضرب عنقه، فبايعوا!».

***

وقف المنصور يوم عرفة خطيبا فقال:

«أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته، وإرادته وأعطيه بإذنه، فقد جعلني الله عليه قفلا، إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم وإذا شاء أن يقفلني عليه قفلني».

***

أنشأ الحجاج سجنا واسعا للتعذيب الجماعي، فقد أنشأ سجنا ضيقا لغرض تعذيب المساجين أيضا. وقد أسماه «الديماس». وقد وصفه المؤرخون بأنه عبارة عن حفيرة في باطن الأرض ضيقة للغاية، لا يجد فيها المسجون إلا موضع مجلسه. ويبدو أن هذه الحفيرة كانت طويلة، تصطف فيها جماعة من المسجونين يقرنون في سلسلة واحدة، فإذا قاموا، قاموا معا، وإذا قعدوا قعدوا معا. وكانوا يأكلون ويتغوطون في السجن نفسه، وكانوا يصلّون فيه أيضا».

العدد 2561 - الأربعاء 09 سبتمبر 2009م الموافق 19 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً