العدد 2584 - الجمعة 02 أكتوبر 2009م الموافق 13 شوال 1430هـ

أكثر لغة أوروبية معرضة للانقراض تتمتع بالحيوية

تعد قصة « الأمير الصغير » بقلم المؤلف الفرنسي أنطوان دي سانت إكزبوري من بين أكثر الكتب مبيعا على مدى العصور وتم ترجمتها إلى نحو 180 لغة.

وبفضل المترجمة جريتشن جروسر أصبحت هذه القصة الرائعة التي تحكي عن طيار يلتقي بأمير صغير بعد أن يضطر إلى الهبوط في الصحراء الأفريقية متاحة بلغة غامضة لقومية الفريزيان التي يعيش جزء من أفرادها في ألمانيا، وهذه اللغة تدعى (ساتر فريزيان) أو (ساترلانديك) وهي لغة محلية في «ساترلاند» التي تعد جزءا من ولاية ساكسونيا السفلى الواقعة في الشمال الغربي الألماني ويتحدث بهذه اللغة نحو 2500 شخص فقط، وتتحدث أيضا بلهجات الفريزيان الأخرى مجموعات في الدنمارك وهولندا.

وتقول جروسر التي تبلغ من العمر 74 عاما وهي مؤلفة لمجموعة من الكتب بلغتها المحلية ساترلانديك إن ترجمة قصة الأمير الصغير استغرق 150 ساعة من العمل، وأنها حاولت أن تحتفظ بسحر النص الأصلي.

ومن المتوقع أن يكون انتشار مثل هذا الكتاب المترجم محدودا غير أن ترجمة هذا العمل الأدبي توضح أن هذه اللغة الباقية من قومية الفريزيان الشرقية القديمة ما زالت بعيدة عن الإنقراض، ويوضح عالم اللغويات مارون فورت أنه بالرجوع إلى زمن العصور الوسطى بدأ أفراد قومية الفريزيان الشرقية في التحول من لغة ساترلانديك إلى اللغة الألمانية البدائية غير أن استخدام الساترلانديك اقتصر على الجزء الشمالي الغربي من إقليم كلوبنبرج.

وقد حصل العالم فورت الذي ولد في نيوهامبشاير على الجنسية الألمانية ويتحدث اللغات الألمانية والهولندية والألمانية البدائية وساترلانديك بطلاقة، ونشرعام 1980 قاموسا للغة الساترلانديك كما أنه يشرف على ترجمة الإنجيل إلى هذه اللغة.

وفي بداية القرن التاسع عشر كانت ساترلاند جزيرة معزولة عن العالم الخارجي بمستنقعات يتعذر اختراقها، ويعتقد فورت أن ذلك ربما كان أحد الأسباب التي تفسر قدرة هذه اللغة على البقاء على قيد الحياه حتى الآن، كما أنها تعد أكثر اللغات الأوروبية تعرضا لخطر التلاشي.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تزايد عدد سكان المنطقة بسرعة ليصل إلى 13 ألفا حيث استقر فيها الكثير من الألمان قادمين من أنحاء أخرى من البلاد، وفي التسعينيات من القرن الماضي تم تسجيل 1500 مواطن جديد قدموا إلى المنطقة من كازخستان وبالطبع لم يكن أحد منهم يستطيع التحدث بلغة ساترلانديك كما يقول رئيس المجلس المحلي هيوبرت فراي، وتشجع رابطة محلية في ساترلاند استخدام اللغة القديمة عن طريق نشر برامج تعليمية بالإذاعة المحلية، كما تسعى هذه الرابطة إلى الحفاظ على الثقافة المحلية بما فيها طواحين الهواء الرائعة.

وتعد المعلمة يوهانا إيفرس حاميا آخر لهذه اللغة النادرة، وحتى الآن يتم تعليم لغة ساترلانديك في إحدى المدارس الإبتدائية المحلية فقط، وتقول إيفرس إنه في المدارس الثلاث الأخرى بالمنطقة يعد تدريس هذه اللغة نشاطا إضافيا بمعنى أن التلميذ الراغب في تعلمها عليه البقاء في الفصل بعد إنتهاء اليوم الدراسي بينما يعود بقية التلاميذ إلى منازلهم، وفي المدرسة الثانوية التي تعمل إيفرس فيها تدرس هذه اللغة كمنهج اختياري.

ويستطيع الأطفال الصغار في مرحلة ما قبل المدرسة أن يحصلوا على دروس بسيطة في هذه اللغة بفضل المتطوعين الذين يأتون إلى مدارس الحضانة مرة أسبوعيا على الرغم من أنه لا يتم تقدير جهودهم تماما، وتشير إيفرس إلى أنه في كثير من الحالات لا يحرص الآباء على تعليم أطفالهم هذه اللغة.

ويبدو أن بعض الآباء يشعر بالقلق من أن تعليم هذه اللغة الإضافية قد يثقل من الأعباء على أبنائهم، ولا تشاركهم إيفرس في هذه المشاعر وتشير إلى دراسة أجريت توضح أن الأطفال الذين يتعلمون عدة لغات بدلا من واحدة عادة ما يكون أداؤهم الدراسي أفضل.

ويرى كارل بيتر شرام وهو متحدث محلي بلغة ساترلانديك ويشغل منصب رئيس المكتب الأوروبي للأقليات اللغوية في ألمانيا أنه من المهم أن يتم التحدث بهذه اللغة في المنزل، وهو يود أن يتبوأ المتحدثون بهذه اللغة مكانة بارزة على الصعيد المحلي، وتم وضع لافتات بالقرى تحمل اللغتين الألمانية ولغة ساترلانديك منذ عام 2001.

ويعد المؤلف فورت مدافعا متحمسا عن اللغة ويأمل أن تبقى على قيد الحياة، وكان قد جاء إلى المنطقة كباحث شاب منذ أعوام كثيرة وتعلم مفراداتها من قدامى القرويين مباشرة، ويعرب عن حبه الحقيقي لهذه اللغة.

العدد 2584 - الجمعة 02 أكتوبر 2009م الموافق 13 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً