العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

انتشار العيون الطبيعية و نظام القوات في البحرين

لقد تم دراسة توزيع العيون الطبيعية والثقب ونظام القنوات في البحرين وتم رسم خارطة توضح توزيعها في البحرين وتعتبر تلك الخارطة نتيجة لدراستين تمت الأولى في عام 1953م والأخرى في عام 1971م. بعض تلك القنوات طويلة جدا ولا تكون مغطية في بعض المناطق فلذلك تصبح مجرى مائيا طويلا وعميقا في بعض المناطق مما حدى بالعامة لتطلق على أمثال هذه القنوات مسمى «نهر» أو «ساب» عظيم, وهناك ثلاثة أمثلة مشهورة لهذه الأنهر هي نهر المشبر والنهر الذي يمر بثلاث قرى (المرخ وبني جمرة والقرية) والنهر المعروف باسم الساب العظيم في كرزكان.


نهر المشبر

ذكر هذا النهر محمد علي التاجر وقال عنه إنه يشقّ المنامة من أولها إلى آخرها وهو لكثرة ورّاده من النساء اللاتي يغسلن فيه خرق الأطفال وتراكم القاذورات يكاد يكون أكبر مستودع للميكروبات وقد قال فيه أحد شعراء جدحفص المعروف بالوزير بعد أن تأذى من روائحه:

ما خلق المشبر ورب الورى إلا لتذكار حميم السعير

وقيل أنه ينبع من قلعة الديوان وينحدر في أخاديد عميقة تحت الأرض يسير بمحاذاة مسجد أبو الريش مارا في الاتجاه الشمالي حتى يصل إلى الحديقة التي يطلق عليها «الباخشة» أو «الباغ شاه» ومكانها في موقع حديقة البلدية السابق.

وجاء في كتاب البحرين عبر التاريخ (آل خليفة وأبا حسين 1991م) أنه تم استخدام القنوات المرتبطة بنهر المشبر من قبل الشيخ أحمد الفاتح عام 1783م في اقتحام قلعة الديوان التي التجأت إليها حاميتها وعائلة الشيخ نصر ومن والأهم في المنامة وذلك بعد انسحاب الشيخ نصر آل مذكور إلى بوشهر إثر فشله في حصار الزبارة وجاء في تفصيل ذلك:

«كانت في وسط القلعة عين ماء جارية يشرب منها سكان القلعة ويجري ماؤها في جدول متجها شمالا خارج القلعة والجدول مسقوف وبه عدة فتحات للنور والهواء تعرف (بالتناقيب) ويمر بفريق (المشبر) في المنامة ثم يسقي بستانا داخل المنامة يعرف (بالباخشة)، والباغجة تصغير كلمة (باغ) الفارسية وتعني البستان، وكان أهل المنامة يشربون وينتفعون من مياه هذا الجدول الجارية إلى البستان والمارة ببيوتهم. وقد وضع الشيخ أحمد مع الخاصة من رجاله خطة لاقتحام القلعة عن طريق هذا الجدول أو المشبر كما كان يسمى، فاختار نخبة من رجاله الأشداء يحملون السيوف وأمرهم أن يدخلوا القلعة من هذا الجدول أو المشبر. وفعلا دخل الرجال في الجدول وهو يشبه النفق حيث كان مسقوفا ولمّا وصل أولهم إلى فتحة العين فوجئ رجل كان يغتسل في العين بخروج الرجال عليه من جدول الماء، وفعلا خرج الرجال من العين واتجهوا للبوابة وفتحوها، ودخلت القوات القلعة واستسلمت حاميتها».


عين «أبو عليوه» وبقايا النهر المفقود

يبدأ نظام الري الواقع بين ثلاث قرى (المرخ و بني جمرة والقرية) في قرية المرخ بعين تعرف باسم عين «أبو عليوه». وهذه العين كأنها غرفة كبيرة تحت الأرض وقد وصفها جيمس بلجريف في كتابه حيث قال أنه عند فتحة التهوية لقناة الماء التي تجري غربي قرية (الشاخورة) توجد غرفة كبيرة تحت الأرض تستخدم كصالة الاستحمام، ولها سقف عالٍ مقوّس ذو أعمدة تتشعب من عمود مركزي، ولها سقف خاص وأرضية من الجبس المتين مغطّى بالرمل الأبيض الناعم، ويوجد مجرى ماء بارد لا ينقطع انسيابه خلال الغرفة، ما زال يستعمله سكان القرى المجاورة كحمام حيث يذهبون إليه إبّان حرارة الصيف ويجلسون في راحة بالمكان الظليل البارد تحت سطح الأرض.

ويوجد قناة تحت أرضية كبيرة مرتبطة بتلك الغرفة. وتمر هذه القناة بين قريتي «المرخ» و»بني جمرة» وبعد تخطي قرية المرخ تمر القناة على الحدود بين قرية «بني جمرة» وقرية «القرية» ثم تتفرع إلى فرعين أحدهما يتجه باتجاه قرية «الجنبية» والآخر باتجاه قرية «بني جمرة». و ينتهي مصبّ تلك القنوات بعد ذلك في البحر (انظر الخارطة). وعلى طول هذه القناة توجد العديد من الثقب. وفي مناطق معينة تكون هذه القناة مكشوفة غير مغطاة فتكون قناة كبيرة مكشوفة. وقد عرفت هذه القناة المكشوفة باسم «النهر», ومع تقادم الزمن وأصبح هذا النهر مصدر الماء الوحيد تقريبا لقرية بني جمرة, ومن الخارطة المرفقة يمكنك ملاحظة المسافة الطويلة التي كانت تقطعها النساء للوصول إليه لجلب الماء مرارا وتكرارا, لقد حفر هذا المشهد في ذاكرة العديد من النساء, وأول ما تتذكره أولائك النسوة من عذابات الماضي هو جلب الماء من النهر. استمر حال النسوة مع النهر حتى بداية الخمسينيات من القرن المنصرم, بعدها تم حفر بئر ارتوازية كبيرة. ومن الخارطة المرفقة أيضا يمكن مشاهدة وجود قناة أخرى موازية لقناة القرية - بني جمرة وتوجد هذه الأخرى على الحدود الجنوبية لقرية «القرية», وتتصل بعين أساسية تخرج من منطقة سار, وتنتحي هذه القناة بعد ذلك باتجاه قريتي الجسرة والهملة.


دور مبارك والساب العتيق

كانت قرى الساحل الغربي أي كرزكان والمالكية وصدد وشهركان ودار كليب مشهورة بالعيون العديدة التي تسقي بساتينها ونخيلها إضافة إلى تلبية احتياجات أهاليها. ويمكننا تصنيف مصادر المياه إلى قسمين رئيسيين:

1 - العيون المرتبطة بنظام القنوات التحت أرضية

2 - العيون المرتبطة بسيول الأمطار أي أنها حفر تملأ بماء المطر

و يعرف النظام المرتبط بالقنوات التحت أرضية في كرزكان باسم «دور مبارك», ومن أهم العيون المرتبطة بهذه القنوات:

1 - عين أم جراي: وهي مرتبطة أيضا بكواكب فرعية عديدة أشهرها الثورية وأبو القحافي. وقد ذكرت هذه العين في النسخة المترجمة لدليل الخليج للوريمر باسم «أم جريع» و ذكرت في النسخة الأصلية باسم «أم جرائي», إلا أنها تعرف حاليا باسم «أم جراي».

2 - عين المالچية: وهي عين أخرى تقع جنوب عين أم جراي و ترتبط بنظام أفلاج.


و صف «الساب العتيق»

هذا الساب العظيم هو فرع من وادي بوري الذي ينزل من جبل الدخان أما مصدر الماء الذي فيه فقد يكون متعدد جزء من الأمطار وجزء من العيون وجزء من القنوات التحت أرضية, حيث يعتبر هذا الوادي إحدى قنوات التفريغ الذي تجري فيه سيول الأمطار من جبل الدخان للأسفل, و قد كانت الأمطار في الماضي قوية بما فيه الكفاية لتملأ هذا الوادي, لا سيما وأن فرع «الساب العتيق» يرتبط في طريقه بعدد من العيون كعين اللوزي وعين البدرية. و ينقل لنا حافظ أبراهيم وصفا جميلا لهذا الساب على موقع كرزكان نقتبسه هنا:

«والساب العتيق يعتبر من عجائب الزمان، كان عمقه حوالي 35 - 40 قدما في بعض المواقع، تأتي إليه المياه من الجبال الواقعة جنوب عالي شمال سافرة شرقي منطقة اللوزي تقريبا وبالتحديد من منطقة موقع مدينة حمد حاليا، وهذا الساب يجري عبر أراضٍ صخرية منحوتة، وخلال عبوره للقرية يوجد على جانبيه مقاعد صخرية للجلوس ومحلات للطبخ وحمامات للنساء والأطفال وأخرى للرجال، تقع على جانبيه أو خلالها وأما البيوت التي يمر بجانبها أو خلالها فتتخذ منه مصدرا لمياهها مكانا لرمي القمامة والقاذورات ولكن بسبب قوة اندفاع مياهه وشدتها تتسع معه كل ما يرمى فيه وكانت الحكومة آنذاك تحبس مياهه عن الاراضى المنخفضة (النخيل والبساتين) وفي مساء الخميس من كل أسبوع تطلق صفارة الإنذار إيذانا لوجوب ابتعاد الأهالي عن المجرى لأنه سيفتح على الأراضي المنخفضة لري البساتين فيهرع الموجودون في بحيرته إلى ترك البحيرة. ويعتبر الساب العتيق من أشهر مصادر المياه في القرية وليس به عين معروفة وهو 3 سيبان وتجتمع في مجرى واحد ثم تلتقي مع مجرى العيون المذكورة وينحدر الساب من جهة الشرق وعمقه 30 قدما، ويتجه إلى القرية وبه بحيرات عديدة أهمها الحمام الشرقي وكان سابقا يظعن فيه جد الشيخ حمد بن عبدالله وعمقه تقريبا 20 قدما، ثم (العمارة) ثم (التنقاب) ثم مورد (الحويجي) ثم (اسقات الردم) ثم (الحمام الغربي) ثم (جمة الصغرى مورد السنورة) ثم (جمة العودة) وهي بحيرة كبيرة وبها حمامات للسباحة الخاصة وهي على وجه الأرض ومساحتها 30 قدما إلى 20 قدما ويجتمع بها الماء من يوم الثلثاء حتى مساء الخميس، ويسقى منها شمالا وجنوبا النخل المرتفع عن الأرض».


«بيبي» يصف الساب والقنوات بالمعضلة

لقد كان الساب العتيق والقنوات التابعة له من عجائب الزمان حقا فقد زار المنطقة بيبي ورأى تلك القنوات العميقة فقال عنها في كتابه «البحث عن دلمون»:

«غير أن تلك القنوات وبالعيون التي في مصادرها تشكل معضلة لعلماء الآثار. ولا تختص المعضلة بالعمر بقدر ما تختص بالعمق».

فقد قام بيبي بتتبع تلك القنوات ولاحظ عمقها فهي من الخارج تبدو كمنحدر رملي وما أن تتسلقه حتى تنكشف لك تلك القناة العميقة وقد وصفها بيبي في كتابه وصفا جميلا:

«حينما تتبع ذلك الخط لمسافة ميل أو اثنين سترى عبر سديم الحرارة الذي يتكون وقت الظهر حائطا مبنيا منخفضا ولونا أخضر مغبرا الأشجار نخيل أمامك. وتقترب قليلا وتتسلق في النهاية المنحدر السهل للرمل الذي يكاد يحتضن أعلى الحائط وحينها سترى أن سعف النخيل الذي رأيته عن بعد ليس عبارة عن شجيرات قصيرة كما بدا لك ذلك وإنما هو الجزء الأعلى من أشجار باسقة. ويحيط الجدار بالمنطقة إلى حد قد يمتد إلى مائتي ياردة طولا وذلك على نحو بيضوي. ويهوي الجانب الداخلي للجدار بحدة إلى عمق قد يصل إلى عشرين أو ثلاثين قدما. ولا توجد هناك أي تربة في المنطقة المسيجة. فالأرض الكلسية قد تكسرت بسلاسة إلى قميمات ومنحدرات هينة تنتشر بها الحشائش وقد انتصب بها ما يقارب العشرين نخلة. وترى الماء في تجاويف الصخور صافيا مثل البلور، في جريان دائم من العيون التي في الأعماق، يتدفق في سلاسل من الجداول بشلالاتها المصغرة تتساقط على صدوع الصخر، هذه هي العيون التي غذت القنوات بالماء. وتنحدر إلى الداخل مجموعة الدرجات... لقد كانت هذه الحدائق هي العيون التي غذت القنوات بالماء ولكنها لم تعد تمدها به. فقد انخفض مستوى الماء ولم يعد ينبع إلا بقدر البخر السطحي من البرك المتكونة. ويمكن رؤية مدخل القناة في أحد أركان ذلك السياج وقد علت قاعدتها بما لا يزيد قدم فوق مستوى الماء ولكنه لم يعد ينساب فيها. وكان واضحا في بعض الأحيان أن الماء منخفض إلى درجة لم يعد بالإمكان فيه أن يعاود انسيابه أبدا، وفي أحيان كان كل المطلوب تنظيف القناة بالاستفادة من المدخنات التي بنيت دون شك لأجل هذا الغرض، فيعاد فتح القناة للري مرة أخرى. ولكن ذلك لم يتم. فعلى نهاية المنحدر الذي يمتد لمسافة ميل واحد وحيث تقوم القرى التي كانت القناة تخدمها، فإن الزراعة - إذا كانت لا تزال قائمة - تتم ممارستها بالاعتماد على حفر تحفر إلى الطبقات التي تحوي الماء وباستعمال المضخات العاملة بالبنزين.

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً