العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

«أثمر الإضراب فوضعوا المراوح وسمحوا لنا بساعة للتمشي بين الزنازن»

أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» (6)

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.


سادسا: استراحة محارب 1975-1981

خرج أحمد الشملان من المعتقل في فبراير/ شباط 1975، ليسافر الى موسكو للدراسة وليحظى باستراحة قصيرة تزوج خلالها وأنهى دراسته الجامعية ونال الماجستير في القانون الدولي وواصل نضاله في صفوف جبهة التحرير الوطني البحرانية. لقد أُنهك أحمد الشملان حتى الرمق الأخير طوال عقد صاخب من حياته امتد من 1965 الى 1975 وكان بأمسّ الاحتياج لراحة على كافة الأصعدة. وقد كان له ذلك حينما حظي المحارب باستراحة في البعيد، في قلب الجليد(موسكو 1975-1981)، هناك فقط كان فعلُ الجليد وبياضه وهدوء وتيرة الحياة والإشباع العاطفي والاستقرار الأسري فعلَ السحر في ترميم النفس المتعبة.

شكلت موسكو ثاني ارتباط حزبي لأحمد الشملان بالأطر التنظيمية لجبهة التحرير منذ أن انضم رسميا لعضويتها حال خروجه من المعتقل في يناير/ كانون الثاني 1974.

في موسكو أيضا بدأ الربط التنظيمي مع أحمد الشملان ربطا فرديا، ومع دخول العام 1977 كان قد مضى عام ونصف على وصول الشملان لموسكو فبدأ الوضع التنظيمي لأحمد يتغير حيث أجريت تغييرات في الهيكل التنظيمي، فتسلم أحمد العديد من المهام الحزبية وتبوأ موقعا في اللجنة الإيديولوجية ثم انتقل إلى عضوية اللجنة القيادية للمنظمة في موسكو.

على مستوى النشاط الحزبي الداخلي في موسكو كان للشملان دور يوضحه مسئول المنظمة الحزبية حينها الأستاذ عبدالجليل النعيمي بقوله: «كانت لأحمد الشملان مساهمات كثيرة ومهمة في الدورات التثقيفية والندوات الداخلية التي تنظم في المواضيع الفكرية والسياسية والثقافية العامة مثل الدورات التدريبية لطلابنا أو الندوات أو البرامج، وكانت له مساهمات كبيرة في وضع البرامج التدريبية للدورات نفسها، كما كان الشملان يقود خلايا حزبية وعلى يديه تربت الكوادر الحزبية. في الوقت نفسه كان له تواجد في النشاط الطلابي، لذا فعدد كبير ممن كان على علاقة تنظيمية مباشرة بأحمد من ناحية الخلية الحزبية أو اللجنة الطلابية استفاد من معرفته وخبرته. كان معظم طلبتنا يجدون في أحمد قدوة وكانوا حريصين على الاستفادة المباشرة منه. أحمد يملك سمة المناضل المربي، وأنا متأكد أنه تربت على يده أعداد كبيرة من الناس، وقد شهدتُ في الاتحاد السوفيتي الكثير من الناس ممن تربوا على يده».

يواصل الأستاذ النعيمي قائلا:» على مستوى العلاقات الحزبية تولّى أحمد الشملان جانبا واسعا من مهام علاقة المنظمة في الاتحاد السوفيتي مع المنظمات الحزبية العربية ومنظمات بلدان العالم الثالث والمنظمات السوفيتية. وعلى صعيد العلاقات مع المنظمات السوفيتية كانت له علاقة متميزة باتحاد النقابات العمالية السوفيتية وذلك في إطار اهتمامه بالشأن العمالي من قبل أن يأتي إلى موسكو. كانت لدينا لقاءات مع النقابات العمالية السوفيتية من قبل، لكنها لم تكن بالقوة التي أصبحت عليها بعد أن تولى الشملان مسئولية تطوير علاقتنا معها، لقد ساهم أحمد بدور هام جدا في تقويتها. كما لعب دورا هاما في العلاقة مع المجلس الطلابي لعموم الاتحاد السوفيتي ومع لجنة السلم والتضامن ومع منظمة الشبيبة «الكمسمول». وأذكر أن أحمد وطّد علاقتنا مع المنظمات النسائية السوفيتية وخاصة مجلس النساء السوفيتيات الذي كنا نحصل عن طريقه على المنح للطالبات البحرينيات، وأصبحن بعد أن غادر الاتحاد السوفيتي يذكرنه بالخير ويسألن عنه كثيرا».

كما سافر الشملان في مهام حزبية الى مدن سوفيتية أخرى، وشارك في عدد من المهرجانات والمؤتمرات في مدن الاتحاد السوفيتي وخارجه بإلقاء كلمات باسم جبهة التحرير الوطني. وسافر الى هلسنكي لحضور اجتماع يتعلق بالسلم العالمي، يقول أحمد :» شاركت في اجتماعات مجلس السلم العالمي الذي عقد في هلسنكي بفنلندا العام 1977، أعددتُ كلمة الجبهة وألقيتها وكان ذلك أول تمثيل للجبهة أقوم به وألقي كلمة باسمها خارج النطاق الطلابي».

بتاريخ 4 فبراير/ شباط 1981 دافع أحمد الشملان عن أطروحته وكان موضوعها:» تطور النظام السياسي والنضال الوطني الديمقراطي في البحرين». بعد التخرج كان أحمد الشملان وكوادر عديدة من عناصر جبهة التحرير الوطني البحرانية يعدون العدة لحضور اجتماع جبهوي موسع أطلق عليه اسم «كونفرنس» ليكون لقاء تمهيديا لعقد مؤتمر حزبي عام لاحق للجبهة. بقي أحمد في موسكو يسهم في إعداد تقرير منظمة موسكو «للكونفرنس»، وفي شهر يونيو غادرها متجها إلى بيروت حيث شارك رفاقا آخرين في إعداد مشروع برنامج جديد لجبهة التحرير الوطني البحرانية، كان أحمد الشملان يكتب في الجانب التاريخي السياسي من البرنامج.

خلال شهر يوليو/ تموز 1981 توجه أحمد الشملان مع رفاق عديدين إلى عدن باليمن الجنوبي لحضور «الكونفرنس» الذي عقدته جبهة التحرير الوطني البحرانية لكوادرها بمحافظة «أبين» قرب عدن وحضرته عناصر من داخل البحرين ومن مختلف المناطق خارجها، وكان مقررا لهذا «الكونفرنس» أن يكون مرحلة تحضيرية لمؤتمر عام قادم للجبهة، ومن عدن إلى دمشق مرة أخرى حيث بقي فترة قبل أن يعود للبحرين.


سابعا: اعتقال الخمس سنوات 1981-1986

في يوم 28 أغسطس/ آب 1981 عاد أحمد الشملان للوطن ليعتقل من المطار مباشرة، وقد طبق عليه قانون أمن الدولة مرة أخرى وجدد أكثر من مرة ليكمل في المعتقل خمس سنوات متواصلة مر خلالها على سجون «القلعة»، «جَوْ» و«جِدا». يلتقط الشملان شريط الذكريات عن تلك الفترة قائلا: «كانت ظروف الاعتقال في سجن «القلعة» قاسية جدا، وفي صيف 1982 كان الحر شديدا، كنا نتصبب عرقا ونشرب ماء كثيرا، ومن شدة الحر تعرضتُ أكثر من مرة لذبحة صدرية. وبالإضافة للحر الشديد لم يتوفر اهتمام بنظافة السجن بممراته وزنازنه وحماماته، فانتشر مرض الجرب في زنازن المساجين المحكومين. نتيجة لذلك أعلنا في ذلك الصيف إضرابا عن الطعام لمدة أسبوع مطالبين بوضع مراوح في الزنازن وتهويتها، وبمراعاة شروط النظافة في السجن عموما. وقد أثمر الإضراب فوضعوا في كل زنزانة مروحة وسمحوا لنا بساعة للتمشى اليومي في الساحة الموجودة بين الزنازن على دفعات كل دفعة تضم عشرة معتقلين. ولم أحصل على إذن بأول مقابلة مع الأهل سوى بعد ثمانية أشهر على الاعتقال، أما استلام مجلات فلم يسمح به إلا صيف 1982 وظلت الكتب ممنوعة حتى نهاية 1983 حين نقلنا إلى سجن جزيرة «جدا». حينها كان قد أطلق سراح معظم معتقلي اليسار ولم يبقَ منا سوى ثلاثة فقط هم عبدالله مطيويع وأحمد مكي وأنا».

خلال فترة اعتقاله بسجن «القلعة» ونتيجة للظروف السيئة والصعبة داخل المعتقل تعرض أحمد الشملان مرات عديدة لنوبات قلبية خاصة خلال أشهر الصيف الشديدة الحرارة. يصف أحمد الحر الخانق الذي كانوا يعيشونه في زنازن سجن «القلعة» في رسالة كتبها بتاريخ 20 أغسطس 1983 قائلا:«الحر شديد ولا يطاق في هذا الأتون الرهيب... النوم قليل جدا إن لم يكن معدوما بسبب الحر الخانق والرطوبة اللزجة الثقيلة...طبعا للحر طقوسه!! الشهية شبه مسدودة، وأكثر ما يملأ بطوننا هنا هو الماء!! الماء بشكل غير عادي نستهلكه للشرب».

بقي أحمد الشملان ورفيقيه في سجن «القلعة» حتى أكتوبر/ تشرين الأول 1983 حيث تم نقل الثلاثة إلى سجن «جدا»، وأودعوا سجن بيت الدولة، يقول الشملان: «هكذا وجدت نفسي قد عدت - بعد عقد من الزمن- إلى مكاني المعهود في سجن جزيرة «جدا»/ بيت الدولة».

في أبريل/ نيسان 1984 أطلق سراح أحمد مكي وفي ديسمبر/ كانون الأول 1984 أطلق سراح عبدالله مطيويع، وظل أحمد الشملان وحيدا في سجن بيت الدولة. وبدخول العام 1985 بدأت تُعاد الكتب والمجلات التي يأخذها الأهل لأحمد، ربما كنوع من تضييق الخناق عليه قبل إطلاق سراحه خاصة وقد كان وحيدا تماما في سجن بيت الدولة. ثم أخذت الرسائل تتأخر شهورا عديدة، كتبت له زوجته في رسالة تاريخها 16 أغسطس 1985:» أكتب لك الرسائل ولا يصلني من عندك شيء... منذ سبعة أشهر لم أستلم منك أية رسالة واتصلت بالمسئولين أكثر من مرة دون فائدة».

أكمل الشملان ثمانية أشهر من العام 1985 وحيدا في سجنه الانفرادي ببيت الدولة في جزيرة «جدا»، وما إن دخل أكتوبر من العام 1985 حتى صدر أمر بإخلاء سجن جزيرة «جدا» من نزلائه، وقد نقل أحمد الشملان من جديد إلى سجن «القلعة» ونقل جميع السجناء المحكومين إلى سجن «جو». وبعد تسعة أشهر في سجن «القلعة» أطلق سراح أحمد الشملان في الثامن من يونيو/ حزيران 1986.

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً