العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

قراءة في كتاب ناصر وعامر للكاتب عبدالله إمام (1 - 2)

هل صنعاه معا ؟

لم نكن نعلم الكثير عن حياة المشير عبدالحكيم عامر، ولم نكن نحسب للحظة أن وراء تلك الصورة البراقة للرئيس جمال عبدالناصر ونائبه المشير تدور أعنف قصص الصراع، حتى خرجت تلك القصص والحقائق إلى النور على خلفية هزيمة 5 يونيو 1976 وانتهت بانتحار المشير في 13 سبتمبر من العام نفسه.

(لقد كان الرئيس عبدالناصر ونائبه صديقين حميمين قرابة الـ 40 عاما. فقد أعدا تنظيم الضباط الأحرار، وخططا للثورة معا. وفي ليلة 23 يوليو خرجا معا في سيارة واحدة، وعند نجاح الثورة كانا الرجل الأول والرجل الثاني على رئاسة قيادة الضباط الأحرار. لقد كانت العلاقة بين الرجلين من القوة والمحبة أن أطلق كل منهما اسم ابنه تيمنا باسم الآخر، فجمال سمى ابنه عبدالحكيم، وبالمثل عبدالحكيم سمى ابنه عبدالناصر).

(كانت العلاقة بينهما تعود إلى سنوات طويلة، فقد عملا معا في صعيد مصر، ثم قويت العلاقة أكثر وأخذت طابعا مختلفا، عندما التقيا مرة أخرى عام 1948 عند تخرجهما من كلية أركان حرب، في هذا العام جند عامر عبدالناصر في حركة الضباط الأحرار. كذلك رشح عبدالحكيم عامر محمد نجيب لاحقا لكي يتولى قيادة حركة الجيش. وهكذا بعد أن نجحت حركة الضباط الأحرار أصبح عبدالناصر أول مدير لمكتب القائد العام محمد نجيب، يليه في المنصب الثاني عبدالحكيم عامر، ثم قام عبدالناصر بحكم منصبه بترشيح عبدالحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة).

(وعليه، ما إن أعلنت الجمهورية في 18 يونيو حتى كان محمد نجيب رئيسا للجمهورية والصاغ عبدالحكيم عامر قائدا لجيش مصر للقوات المسلحة. ورغم إجماع الضباط على تعيين عبدالحكيم لقيادة الجيش والقوات المسلحة إلا أن محمد نجيب قد اعترض بشدة على ترقية الصاغ عامر إلى رتبة لواء (متخطيا بذلك أربع رتب عسكرية دفعة واحدة) لخوفه أن هذه السابقة في الجيش المصري سيتبعها نوع من عدم الرضا عند الكثير من الضباط، وسيكون بمثابة قنبلة موقوتة. وهكذا ما إن تمت الموافقة على التعيين تحت الضغط والإلحاح حتى قدّم حسن محمود قائد القوات الجوية استقالته من منصبه. كما منح عبدالحكيم عامر لاحقا رتبة المشير عام 1958 تماشيا مع المنصب الجديد، وبذلك أصبح أول عسكري عربي يحمل هذه الرتبة والتي يقابلها في اللغة الإنجليزية (مارشال). وهكذا دخلت كلمة مشير قاموس اللغة العربية لتكون بذلك أعلى رتبة عسكرية، كما منح المشير في العام ذاته منصب نائب رئيس الجمهورية)!

كانت ثورة الضباط الأحرار جديدة على مصر وعلى الضباط أنفسهم. فلم تشهد مصر ثورة من هذا النوع كما أنهم (الضباط الأحرار) كانوا في الأساس عسكريين، وليسوا ساسة، ولم يعتركوا الحياة السياسية بدرجة كافية تؤهلهم لبناء هيكلة مجلس الثورة بالصورة الصحيحة، كما أن توزيع بعض المناصب كان بناء على الولاءات، وليس على الكفاءات وخصوصا في صفوف القوات المسلحة. وسوف نعرف لاحقا تداعيات وسلبيات تلك الأخطاء من أفراد وجماعات على مستقبل الثورة ومصر.

لا أحد ينكر أن هذه الثورة الفتية والحديثة على كل الأصعدة السياسية والعسكرية أدخلت مصر من أوسع الأبواب في نهضة اجتماعية جعلتها رائدة في الثقافة والسينما والمسرح والغناء. وما رافق ذلك من جيل عمالقة الطرب لايزال صيتهم خالدا حتى اليوم، أمثال: عبدالحليم حافظ، ومحمد عبدالوهاب، كما واكبت تلك النهضة قفزة غير مسبوقة في السينما المصرية أتحفتنا بممثلين عظام مثل: شكري سرحان، وعمر الشريف، وفريد شوقي، وسيدات الشاشة مثل فاتن حمامة، وشادية وغيرهن. الجميل في الأمر أن الصيت الاجتماعي الذي بلغته مصر في تلك الفترة أعطاها دورا رياديا للوطن العربي والإسلامي، كما أضفت خطب عبدالناصر الحماسية على تلك الحقبة الكثير من القوة والزخم بحيث أصبحت مصر والأخوة المصريين أينما كانوا محط كل تقدير في كل المحافل الفنية والتعليمية في كل بقاع العالم العربي، كما أيقظت تلك الخطب الحس الوطني والعربي حتى كدنا نخال ان أمجاد العرب وحضارتهم القديمة بات رجوعها وشيكا.

(لقد حلل الكاتب عبدالله إمام المشير عبدالحكيم عامر، كما أبرز بشكل تفصيلي، مفارقات غريبة في شخصيته. ففي حين يشهد له الجميع كرجل عسكري رشحته الغالبية من أعضاء مجلس الثورة لرتبة لواء إلا أنه للأسف الشديد يفتقر للانضباط كرجل عسكري! وقد أشار محمد متولي السيد سكرتير مكتب المشير 1966 إلى كثير من تلك الأمور أبرزها انحرافات بعض أفراد مكتب المشير(ص 108 إلى 114) والتي تكشفت في قيام البعض بالكسب غير المشروع، ولكن ليس هذا بيت القصيد، بل قيام المشير بفرض حماية خاصة على مدير مكتبه علي شفيق حتى يكون بعيدا عن المساءلة في حين وجهت التهم إلى صغار الموظفين من مدنيين وعسكريين)؟؟.

(أما القضية الأغرب أن بعض أفراد مكتب المشير عُذبوا تعذيبا شديدا رغم قربهم من الذين قاموا بعملية التعذيب. والسبب الأساسي ليس فقط الانحرافات التي ذكرتها مسبقا، ولكن اتهامهم بسرقة صورة خاصة للمشير وحرمه برلنتي عبدالحميد في عيد ميلاده بدعوى استخدامها ضد المشير، وقد ثبت فيما بعد أن الصورة المفقودة كانت في حوزة والدة برلنتي وأن القضية كانت كيدية والقصد منها الإيقاع ببعض الأفراد وإزاحتهم).

(وذيول تلك القصة تعود إلى صراع قديم منذ بداية الثورة بين المقدم علي شفيق والعقيد شمس بدران على رئاسة مكتب المشير واستمر هذا الصراع حتى عام 1966 عندما أقام المشير حفل عيد ميلاده في منزله في الهرم، حيث حضر الحفل عباس رضوان، وصلاح نصر، وعبدالمنعم أبو زيد وحرمه، وآخرون قلائل. ولكن بسبب سرية زواج المشير كانت صور الحفلة محدودة جدا، واختفاء إحداها كان مدعاة لإقامة تحقيق مع عدد من المشتبهين من الحضور ومن ضمنهم: سهير فخري زوجة عبدالمنعم أبو زيد الذي كان يتحرى عن ماضي برلنتي عبدالحميد قبيل زواجها من المشير، ورغم أن برلنتي كانت صديقة سهير فخري منذ وقت بعيد إلا أنها لا تستريح لسهير وتتوجس الخوف من أن تفضح أسرارها عند زوجها أبو زيد، وهكذا كانت هذه الحادثة فرصة مناسبة للإيقاع بالاثنين وإزاحتهما، إلا أن شمس بدران كانت له مآرب أخرى من هذا الأمر وهي محاولة حمل عبدالمنعم أبو زيد على اتهام علي شفيق في موضوع التحقيق والمتعلق ببعض التصرفات المالية (وعندما سئل عباس رضوان من أين لكم الاعتقاد بأن تعذيب عبدالمنعم أبوزيد كان لهذا الغرض؟ أجاب: هذا الاعتقاد كان بسبب الخلاف بين شمس بدران وعلي شفيق) (ص 115)

وهكذا كان مكتب المشير وأفراده مسرحا لتصرفات ظاهرها عقلاني راح ضحيتها أفراد أفنوا شبابهم في خدمة المشير بل تعدى الأمر ما رافق ذلك من أساليب غير إنسانية ضد أفراد أسرهم والحجز على أموالهم. هذا والمشير لا يشفع لهم لا من قريب ولا من بعيد. كان المتهمون في قضية مكتب المشير 8 على رأسهم عبدالمنعم أبو زيد وفي هذا السياق (يقول محمد حسنين هيكل: إن الموظفين الذين ثبت عليهم الانحراف فصلوا من وظائفهم وقدموا لمحاكمة عسكرية ووضعت أموالهم تحت الحراسة وكان موضوع الانحراف بضعة آلاف من الجنيهات، وكان العقاب رادعا كالسيف البتار!) ومن المفارقات أن يوم إطلاق سراح متهمي مكتب المشير وهو 7 يونيو 1967 يتقاطع مع ثاني يوم في الحرب! فانظر إلى النخبة من القوات المسلحة الغارقة في البحث عن صورة المشير المفقودة وأين موقعها ومدى استنفارها للمعركة في ذلك الوقت العصيب والبلد على حافة الحرب مع «إسرائيل»؟

(أما الجوانب السلبية الأخرى التي تعرض لها الكاتب في حياة المشير بل أكثرها قبلية فهو ما تناهى للرئيس عبدالناصر عن مدى محدودية مستوى المشير في حرب 1956 لذا قررعبدالناصر أن يجري تقييما للقوات المسلحة بعد الحرب وكان أبرزها القوات الجوية وأداؤها السيئ وقال: إن صدقي محمود - رئيس أركان حرب الطيران - يمكن أن ينقل إلى منصب وكيل وزارة الحربية لشئون الطيران ويبعد عن القوات المسلحة (فرد عبدالحكيم عامر: إذا كان الطيران قد أخطأ فاعتبروني مسئولا أيضا ومن المستحسن أن أستقيل أنا أيضا) كما رفض المساس بقيادات الجيش؟؟! واعتبر أن أي مساس بهم يمسه شخصيا؟! كما اعتبر أن الموضوع برمته معركة شخصية. وقد انتصر للأسف الشديد المشير في هذه المعركة لسبب صعوبة عزله في هذه الفترة (هذا أحد الآراء). وهكذا دقت هذه السقطة إسفينا جديدا في تعميق الشقاق بين الجانب العسكري المتمثل في عبدالحكيم والرئيس عبدالناصر (وصارت القوات المسلحة منذ ذلك اليوم لا تستمع ولا تأتمر بغير المشير عبدالحكيم وتسير بهديه وهواه) والدليل على ذلك قضية مكتب المشير التي أشرت إليها سلفا. كما شجع انتصار المشير في هذه المعركة أتباعه في مد يد المؤسسة العسكرية إلى خارج الجيش حتى شملت كل الميادين. وهكذا زحف العسكريون على مواقع مختلفة اقتصادية ومدنية عن طريق تعيين رجالهم في الشركات والمؤسسات وبواسطة جهاز المخابرات الذي أفرز المحافظين والكثير من الوزراء والسفراء العسكريين).

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً