العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

الأكاديمي آل طوق يقرأ ديوان «على جناح سؤال»

بمركز عبدالرحمن كانو الثقافي

عقد مركز عبدالرحمن كانو الثقافي أمسية لقراءة ديوان «على جناح سؤال» للشاعر أحمد السعيد وذلك من خلال ورقة نقدية قدمها الأكاديمي جعفر مهدي آل طوق حيث تحدث فيها عن مستوى الشكل في الديوان وقرأ مدلولات العناوين التي اختارها السعيد إذ ينبثق الرّمز والإيحاء الجميل بطريقة معبّرة، ورصد النهج الشعري ومظاهر التجديد والمستوى اللغوي، والخيال الشعري.

وعلى المستوى الشكلي قدم آل طوق في ورقته توصيفا أوليا مشيرا على أنها قصائد متفاوتة جدا في أغراضها في 118 صفحة ، ضمت ثمانية وثلاثين عنوانا فمن العشق والحب إلى التغزل إلى الرثاء ومن التهكم والأمل المظلم إلى المدح والانتشاء .إضافة إلى الثورة العارمة التي تجتاح الشاعر تلك التي رسمت أحاسيسه ومشاعره وهمومه وعواطفه.

وأضاف آل طوق بأن جاءت قصائد السعيد في أغلبها متوسطة الطول فهي عادة تتراوح بين المتوسطة الى الطويلة في مجملها. ومن العنوان ينبثق الرّمز والإيحاء الجميل بطريقة معبّرة ، يُشير به إلى مدلولات رمزيّة ترتبط بالمضون التعبيري، بحيثُ يستنفذ من خلاله الرّموز التصويرية والإيحائية، ويختزل فيه أحاسيس وانفعالات دلالية وتوترات نفسية، «ذاك هو» على جناح سؤال».

وقرأ مسألة التقديم فأشار إلى أن ابتدأ الشاعر ديوانه بإهداء إلى والديه ثم مقدمةٍ لصديقه محمد طاهر العصفور مشيرا على أنه أثبت انطباعه بموضوعية ثم بدأ في مقدمته التي عنونها بـ»مقدمة للبوح» وفيها أوضح تهيبه من انشغال القراء إلى شكليات الديوان والانصراف عن مضمونه، ومنه قوله: «أتراهم يخافون الإبحارَ في سماواتي، حيثُ لا أضمنُ لهم العودة» فهذا تهيب ، تخوف ، شكوك من وجهة نظره وهذا ينمّ عن عصف الحزن والألم الذي يلف الأنا عند الشاعر.

وبيّن آل طوق إعجابه باختيار الشاعر لعناوين قصائده، فهي معبرة وجميلة، ومضيفا والأجمل أنه يقدم لبعض قصائده بقول مأثور أو شعر منه يستوحي أجواء القصيدة . فمن العناوين الجميلة : حوار صورة ، السفر في السؤال ، على شاطئ المرآة ، الفجر البتول، على ضفاف الحنان، ورباعيات في الحبّ والحياة ( الغربة ، السؤال ، الحبيبة ، الشعر ، الوطن). ويظهر من العناوين أن الكاتب يختار عناوين قصائده كعناوين الروايات وهو من مميزات الشعر الحديث بل إن قصيدته «امنح غرورك طعم الحقيقة» هي عبارة عن صياغة شعرية قصصية سردية حيث تبدأ بـ « قال لي صاحبي: خذ طريقك ... قلت يا صاحبي قتلتني الإشارات والحلم مازال يحبو» وهي مليئة بآهات السؤال وعلامات الاستفهام من مثل قوله ص 53 : «سرتُ والجرح يشتدّ عصفا

ووجهي يغيم ويُشرقُ ..أحملُ

صخرةَ سيزيف

ليلي سؤالٌ طويل .. وصبحي مغيب وراء

الإشارات .. ياربُّ لطفك

كيف السبيل»

نلمس ثورة داخلية عارمة تجتاح الشاعر، نتيجة لما يحس به ويعانيه من قلق نفسي وإحباطات وصراعات وتناقضات تحيط بواقعه المعاش.

ووصف آل طوق أسلوب الشاعر بقوله: «أما ما يتعلق بأسلوبه الشعري فهو حداثوي ولا يمكن تصنيف الديوان لأي مذهب شعري كالرومنسية أو الكلاسيكية أو الواقعية او الرمزية فهو في كل قصيدة شيء آخر يتلون مع المضمون. يتميز الشاعر بسعة ثقافته واطلاعه الواسع على الموروث والحديث فهو يوظف أسماء الإعلام والعلامات المكانية والإشارات التاريخية بكثرة ومثال ذلك: قصيدته الرائعة « أفق أنت في كربلاء» وبغض النظر هل أجاد أم لا فهذه سمة مميزة لشعره .

وأضاف آل طوق أما من ناحية الأصالة فكثير من صوره وتراكيبه أخذها تأثرا بشعراء آخرين كما سيأتي ولكن لم يمنع ذلك من وجود صور فنية جميلة مبتكرة و شبه مبتكرة له فقط ومن ذلك قوله: «والصورة تخلع عينيها» , الصورة تحلم ترجف تضحك تبكي تصرخ تهوي تتشظى». وأما ميزته تظهر في أصالة مواضيعه فقليل من قصائده لا يحتوي على موضوع مبتكر، خذ كمثال: تهكمه في قصيدته التي عنونها» بَوحي وهمس الليل»

برُح بي وجدي ..فجَفني قريح

أوَّه .. يا ليلُ..متى أستريح

كتمتُ حتى ضاق صدر المدى

ومَارَ صدري بين نارٍ .. وريح

ونحن نقرأ مثل هذه القصائد نلمح ومضات مشرقة تجعلنا نتأمل بقلوب مشدودة في أفكارها وصورها ولغتها.

أما الصور الفنية الجميلة فهي صور شاعرية بعيدة عن الابتذال التقليدي الممل:

فنأخذ على سبيل المثال لا الحصر :

يا امرأة

أكبُرُ فيها

أبحثُ عنها

أرسمها.. أكتبها كدموعي فوق زجاج النافذة المنسية.

يا امرأة أعمتني عيناها

تُسكرني شفتاها

وسكبت الرّوح على قدميها وخطاها

آه من سحر خطاها

أما قصيدته الدرامية الرائعة (أفق أنت في كربلاء) ، وأحسبها محور قصائده وهي الملهمة للقصائد الأخيرة، إذ نجد الشاعر يستدعي حادثة ملحمة كربلاء التاريخية الشهيرة وبطلَها الإمام الحسين- ويوظفها للإشارة إلى اكتساب كربلاء الأهمية رمزا للفداء والإباء بمشاعر جياشة ومؤثرة في قوله: ص 43

«أما آن لي أن أبوح بياقوتتي

أتلمس فيها الحسين

عوجا على سدرة المنتهى

حيث تلبسني كربلاء

ضميرا يعرش فيه الإباء

ويشرق فيه الفداء

هنا إبداع لغوي مثير في بنية تعبيرية وإسقاطات تاريخية تتماهى مع إيماءات دلالية في جسد النص يتجرع الهموم والدموع والآهات مناجيا بطله الحسين في كربلاء «بشموخ .... كما شئت يا سيد الشهداء

فإنّ الرؤوس لتقفوك رأسا مشعا

وحجم الإباء

يقود مجرتها للخلود

وفي هذه القصيدة يبرز تأثر شاعرنا بالشاعر العراقي الفذ محمد مهدي الجواهري، وذلك من خلال تضمينه « شممت ثراكَ فهبّ الصمود» .

. ونجد الشاعر قد أضفى خياله الجامح على اللغة التعبيرية لقصيدته فأنتج منها لغة تجمع بين الرؤيا النافذة والشاعرية الفذّة، من خلال عباراته الانزياحية ( ضلوعك ممهورة بالأسى، وحي الدماء، أسئلة الموت، بكيتك يا سيد الشهداء، بكاء يهد كياني، أوردة من ضياء، شموخ الجباه، لمعجزة من دماء...

وعن النهج الشعري للسعيد أضاف آل طوق بأن هذه هي المجموعة الشعرية الأولى للشاعر، ومن خلال قراءتي لها، أحسست أن الشاعر بدأ مجددا في نهج القصيدة، فهو متحرر إلى حد ما من النمط التقليدي للقصيدة العربية، وقد شمل هذا التجديد معظم قصائده. أما فيما يتعلق بديوانه الذي قرأناه معا، فقد راوح الشاعر في قصائده بين النمط التجديدي والنمط التقليدي من حيث الشكل، فقد اشتمل الديوان على عدد من القصائد الحرة، وأخرى من القصائد الخليلية، استمع إليه يقول من قصيدة من الشعرالحر :

مدينة الأحلام

يا ترنيمة الصباح

يا غابةَ الزيتونِ والليمونِ والتفاح

يا آية الله التي تبحثُ عنها في مصانع السلاح

ونشعل الحروب أو نثور باسمها

فلا تجيء

ولم يقتصر هذا التراوح أو التزاوج بين النهجين على قصائد معينة ، وإنما نجد الشاعر في أغلبها مشدودا إلى النهج التقليدي، وأكثر من هذا أن الشاعر كان يخلط في أجزاء القصيدة الواجدة بين النمطين من الشعر، فهو لا يزال منبهرا بما تحمله القصيدة التقليدية من موسيقى خارجية طنانة ممثلة في بحرها الشعري وقافيتها الفخمة وألفاظها الخطابية المتوهجة.

ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر رباعياته في الحب والحياة:

من يناديني بهذا الليلِ والصمت الرَّهيب

مَنْ تُرى ذا الشّبحُ القادمُ بالزِّي الغريب

أحبيبي أنتَ ؟ لا..لا ليس ذا وجه حبيبي

قلت: هذي يا منى العمرِ أفاعيل المشيب

ويختمها بالمقطع التالي:

وطني كم يدَّعي حبَّك مَن باع ثراك

لدخيلٍ، ومضى يَفْتنُّ في صونِ حِماك

جاثِما كالليل يمتدُّ على صدر ضُحاك

كلما نبهته اشتدَّ وَلُوعا بأذاك

وتابع آل طوق نتلمس الروح الاسلامية التي لاتنفك رائحتها تنبعث من مضامينه التعبيرية وفي ثنايا قصائده. فلاتكاد قصائده تخلو من هذه الرّوح العبقة ، وقد كان تأثرشاعرنا بروح الإسلام جليا من حيثُ استخدامه ألفاظا من القرآن الكريم ، وذلك واضح في قوله: فانتهت وردة كالدِّهان

سجد الملائكة لآدم

يسجد لـ «الطين»

طُهْر سليمان

يتبع داود نعشا

فتلقفُ ما يأفكون

كما نلحظ تأثره بشعراء كثيرين من مثل شعر الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وأبي الطيب المتنبي وشوقي ومحمد مهدي الجواهري وغيرهم من الشعراء القدامى والمحدثين، وقد تضمنت قصائده ألفاظا وعبارات من شعرهم والسير على نهجهم الشعري.

أما عن اللغة الشعرية عند السعيد فأشار آل طوق إلى : اللغة الشعرية هي ما توافق عليه النقاد من استخدام الشاعر لمكونات القصيدة اللفظية ذات التداعيات والدلالات الإيحائية ، وهو ما اتفقوا عليه بالمدلولات الانفعالية للكلمة، ولا يعنينا في هذا المقام ما قال به بعض النقاد من مفهوم للغة الشعرية بأنها الإطار العام الشعري للقصيدة ، والتي يقصد بها مكونات العمل الشعري من ألفاظ وصور وخيال وعاطفة وموسيقى ومواقف بشرية.

وعليه، فقد تميزت لغة شاعرنا بالشفافية والوضوح، فهي بعيدة عن لغة التعتيم والتهويم، فلغته بيّنة وواضحة لا غموض فيها، وتعبر عن مضامينه بأسلوب أقرب فيه إلى التصريح إلى حدٍّ ما وهذا يعني أن الشاعر ذو منهج تعبيري سلس ، وقاموسه الشعري لا يحتاج إلى كثير من العناء.

وتوقف آل طوق مع الخيال الشعري: في الديوان فأضاف لقد وصف النقاد الخيال الشعري بأنه قوة سحرية وتركيبية تعمل مع الإرادة الواعية، فهو مصحوب دائما بالوعي، وفي داخله يتم التوحد بين الفنان وبين المعطيات الخارجية. وجلّ قصائد الشاعر مليئة بالخيال والشاعرية وأذكر أنموذجا واحدا من قصيدة «السفر في السؤال» وأترك الباقي لكم عند استماعكم وقراءتكم للديوان:

قوله: سامرتُ روحك.. جذوة.. ومدى

ولمستُ وهْجك.. فاشتعلت هدى

وسريتُ في معناك..قافية

سكرى تغني جرحها أبدا

حامت على مثواك ساكبة

قلبا .. يذوبُ.. ومهجة بددا

وتكشَّفتْ لك عن حُطام فتى

حانٍ على أطلاله .. جسدا

أما قصيدته التي بعنوان «وردة كالدهان..ص 13 فضيحة الكتابة» فهي قائمة على مفارقة تصويرية رائعة يمتزج فيها الحسي بالمعنوي امتزاجا عضويا نابضا بالتوهج الجمالي، مستخدما في ذلك تكرار حرف السين الذي يستنطق من خلاله فضاءات المستقبل والذي ورد تسع عشرة مرة ، بدأت القصيدة بالفضيحة وأنهاها وردة كالدهان ، بينما عنوانها وردة كالدهان .. فضيحة الكتابة. فكأنه بدأ من حيث انتهى وانتهى من حيث بدأ.

سأفضح سرّ الكتابة

سأحكي عن الحلم مختبئا

في رمادي حروفا

هلاميّة

تبعثرت فيها.. لأهرب مني

ومن كلّ شيء

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً