العدد 2373 - الخميس 05 مارس 2009م الموافق 08 ربيع الاول 1430هـ

انطلاق المشروع الإصلاحي

نص كلمة جلالة العاهل بمناسبة العيد الوطني 16 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2001 

05 مارس 2009

شعبنا الوفي،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

يهل علينا العيد الوطني المجيد هذا العام مع هلال عيد الفطر المبارك والبحرين تعيش أعيادا متصلة من الإنجازات والانتصارات الوطنية التاريخية التي حققتها معا بفضل الله في أقل من عام وذلك مع انطلاقة مشروعنا الوطني للتحديث الشامل الذي بادرنا إليه تجسيدا لتطلعاتكم التي ستبقى حاضرة لدينا في القلب والعقل دائما إلى الأفضل والأجمل في مستقبل الوطن، مباركين لكم بالعيدين في هذه الأيام السعيدة.

وإذ من الله بصيام الشهر الفضيل وقيامه، فقد من علينا هذا العام من قبل، بالمشروع في تأدية ما للوطن علينا من حقوق نعاهده سبحانه على أدائها كما أمر، وكما يليق بهذا الوطن الذي أحاطه بعين عنايته في كل حين.

وحيث توافقت إرادتنا الوطنية على مشروع الميثاق في الاستفتاء الشعبي الذي كان فتحا جديدا في تاريخنا وموضع تقدير وإعجاب المجتمع الدولي المتحضر، فإن مسيرة تفعيل الميثاق التي تلت إجماعكم الرائع عليه، قد مثلت لنا هذا العام برنامجا للعمل الوطني المتصل من إنجاز لصيغ النظم ومشروعات القوانين وبرامج الاجتماعية، إلى اتخاذ ما يلزم من خطوات تنفيذية كانت أحدثها خطة التطوير والانضباط الإداري في جهازنا الحكومي بما من شأنه يؤدي إلى مزيد من الكفاءة والإنتاج والنزاهة في أعراق إدارة حكومية عرفتها هذه المنطقة. كما تم تطوير القانون المدني متضمنا ما يتحيح مجال المساءلة القانونية حيال أداء الموظف العام في حال الإخلال بواجب العمل، هذا في حين شملت إعادة تنظيم ديواننا إنشاء إدارة للشكاوي والتظلمات لصيانة حقوق الموطنين حيثما يتطلب الأمر ذلك. وبمواكبة ذلك، تم إنجاز قانون البلديات كما وعدناكم، والانتخابات البلدية في موعدها بحسب برنامجنا الوطني، مقدرين جهود مجلس النواب ومجلس الشورى في إنجاز ذلك في الموعد المقرر وعلى الوجه الأكمل باعتبارها بداية طيبة لمزيد من التطور في هذه المسيرة المتجددة.

وضمن هذا التحرك المكثف، فإنا نتابع باهتمام عمل لجنة تفعيل الميثاق الوطني وما ترفعه من توصيات بشأن مشروعات القوانين والنظم، وكذلك الجهود الحثيثة التي تبذلها لجنة تعديل الدستور بدرجة عالية من الكفاءة الفنية القانونية وبالتعاون مع نخبة من كبار خبراء الفقه الدستوري في العالم واللجنة على اتصال دائم بما يجعلنا على ثقة أن نتائج عملها ستأتي بإذن الله على الوجه الأكمل، لتنظيم الحياة الدستورية في البلاد كما نريده لها، وكما نص عليه ميثاق العمل الوطني.

شعبنا العزيز،

لقد آلينا على أنفسنا منذ أن تولينا مقاليد الحكم في البلاد أن يعم الخير كل أبناء الوطن العزيز، وأن نعطي الأولية في جهودنا لرفع مستوى معيشة المواطن البحريني بصفة عامة وذوي الدخل المحدود على وجه الخصوص. فنحن نؤمن بضرورة إشراك كافة فئات المجتمع في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبضرورة حصول كل فئة على نصيبها العادل من ثمار التنمية ومن ثروة الوطن قدر الإمكان. وتحقيقا لهذا الهدف فنحن ماضون في تنمية الرخاء الاقتصادي وتوزيعه، وذلك بالمزيد من سياسات الاقتصاد الحر وتخصيص المشروعات ووضع القوانين والضوابط اللازمة لمكافحة الركود والبطالة وفتح مجال المنافسة التجارية الحرة بين المؤسسات منعا للاحتكار وتجنبا لازدواج المصالح.

ومن هذا المنطلق نسعى جاهدين ليس فقط إلى رفع مستوى الدخل القومي في البلاد وإنما أيضا إلى تضييق الفوارق بين فئات المجتمع المختلفة. والسبيل إلى ذلك هو توسيع قاعدة الملكية إلى أقصى قدر من زيادة نصيب ذوي الدخل المحدود من ثروة البلاد ومن الدخل القومي. وفي إطار هذا المسعى أمرنا بما يلي:

أولا: تخصيص ملكية مجمع السيف التجاري، وأن توهب نسبة ثلاثين في المئة من أسهم ملكيته إلى الأسر المحتاجة في البلاد بحسب معايير تضعها الجهة المختصة حسبما وجهنا بذلك.

ثانيا: بناء مجمع تجاري جديد في منطقة سترة لذوي الدخل المحدود وبحسب المبدأ ذاته توهب نسبة من أسهم ملكيته إلى الأسر المحتاجة من أبناء المنطقة، وأن تحتفظ الدولة بنسبة معينة لضمان نجاح المشروع. هذا وسنواصل بإذن الله إنشاء مثل هذه المشروعات في جميع أنحاء البحرين، وتخصيص أسهمها لفئات الدخل المحدود وذلك تحقيقا لمشاركة المواطن في التنمية الشاملة.

ثالثا: الشروع في وضع وتنفيذ خطه وطنية كبرى للإسكان تستفيد منها أكثر من 50 ألف أسرة بحرينية وتشمل إنشاء أربع مدن جديدة بمواصفات سكنية وافية ومتطورة.

رابعا: تخفيض التعرفة الجمركية على كافة السلع إلى 5 في المئة فقط ابتداء من مطلع العام وذلك بما يؤدي إلى إنعاش الحركة الاقتصادية في البلاد ورفع مستوى معيشة المواطن وزيادة قدرته الشرائية بتحسين الأسعار وتوسعة النشاط الاستثماري. وقد تمثل ذلك في القرار الذي اتخذه مؤخرا مجلس الوزراء مباركين صدوره لصالح الوطن والمواطنين.

هذا وإنه لمن حسن الطالع أن يتم في هذا العام أيضا إنجاز واكتمال المرحلة الأولى من مشروع مدينة زايد في البحرين. فباسمكم جميعا أتوجه إلى أخينا الكبير صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، بالإعراب عن شكرنا وتقديرنا لسموه على مواقفه المشرفة من بلده البحرين، ومن مختلف قضايانا الخليجية والعربية والإسلامية، متمنين لسموه وللأشقاء في دولة الإمارات دوام التوفيق والرفعة.

أيها الأخوة...

وإن مثل هذه المبادرات منا في حقل التنمية الاجتماعية والعمرانية والتعليمية وغيرها ما هي إلا منطلقات لبرامج وطنية نريدها مستدامة لرفع مستوى معيشة المواطن وتلبية احتياجاته.

ومن كرم أخلاق أهل البحرين أنها سميت بالمكرمات، وإنما هي تلبية لواجب وقيام بخدمة لم نرد بها غير وجه الله ثم خير الوطن، هذا وسيبقى في مقدمة برنامجنا الوطني توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين وتشغيل العمالة الوطنية بأعلى نسبة ممكنة، وقد حققنا تقدما جيدا بهذا الصدد، وإذا كان استكمال الهدف يتطلب وقتا وجهدا أكبر، فنحن عازمون على بلوغه بأقصى الطاقات، ويسعدنا في مجال تلبية احتياجات المواطنين الأساسية من جانب آخر، استكمال إدارة الهجرة والجوازات بوزارة الداخلية منح الجنسية البحرينية للآلاف من مستحقيها في زمن قياسي حسبما أمرنا وكما وعدناهم، معربين لهم عن التهنئة باستحقاقهم شرف المواطنة حقوقا وواجبات ومؤكدين لهم اتساع صدر الوطن لجميع أبنائه من دون تمييز.

وإذ يعتز الوطن بمنجزاته الوافرة، وبما ينعم به من أمن واستقرار، فإنه من الوفاء أيضا أن نشيد بالدور الذي قامت به القوات المسلحة وأجهزة الأمن العام في صيانة استقرار البحرين والذود عن كيانها. وأن هذا الدور ليزداد أهمية اليوم لحماية المكتسبات الوطنية كافة. وغير خاف ما لأفراد القوات المسلحة والأمن من رسالة متحضرة ودور متمدن في المجتمعات الديمقراطية الحديثة حماية للوطن ولأمن المواطن وحريته بحيث يصبح معها كل مواطن جنبا إلى جنب حارسا لوطنه في كل الميادين، وذلك ما نعتبره في طليعة أهداف مشروعنا الوطني القائم على أمضى أسلحتنا ألا وهو سلاح الوحدة الوطنية.

أيها الإخوة والأخوات...

لقد تواصل عملنا الوطني هذا العام ضمن الرؤية الشاملة التي حددناها للبحرين من منطلق مكانتها المستحقة على مختلف الأبعاد وذلك باعتبارها:

- واحة تعايش وتسامح إنساني بين جميع المواطنين والمقيمين من مختلف المنابت، وهو دور يتجدد لها من خلال مشروعنا التحديثي الشامل.

- ومنارة تنوير وتقدم تمثل خليجنا العربي الرائد.

- وحلقة حيوية للاستقرار والأمن في منظومة الدفاع الشامل عن هذا الجزء من الوطن العربي والعالم بما أهّلها للمشاركة المتكافئة في استراتيجيته. وصولا إلى إنجاز اتفاقية الدفاع المشترك لدول الخليج العربية التي كانت مطلبا لشعوبنا الشقيقة، فوفقنا الله بإقرارها في قمة البحرين.

- هذا إضافة إلى كونها تمويلا واستثمارا لصالح الاقتصاد العالمي بفضل أدائها الاقتصادي الجيد ونظامها الحر، الأمر الذي جعلها بشهادة المؤسسات الدولية أكثر البلاد العربية ودول الشرق الأوسط تحررا وقابلية للمشروعات الاستثمارية ومقصدا للشركات الدولية التي تتخذها مقرا لها.

أما ضمن مجالنا الحيوي في الخليج العربي فقد وفقنا الله هذا العام مع القادة الأشقاء بمجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد قمتهم التي انعقدت بدولة البحرين في نهاية العام المنصرم إلى تحقيق وتنفيذ ما توافقنا عليه في تلك القمة الموفقة، وخاصة في مجال إقرار الاتفاقية الاقتصادية الموحدة المعدلة لما فيه رخاء شعوبنا الشقيقة وترابط مصالحها، وكذلك -كما أشرنا- في ميدان التنسيق الدفاعي المشترك الذي أثبتت أحداث العالم مدى الحاجة إلى ترسيخه وتعميقه، حماية لشعوبنا وشعوب العالم أجمع من أعمال الإرهاب والعنف التي لم تتردد البحرين في إدانتها وشجبها بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية، مع تأكيد تضامنها مع الحملة الدولية ضد الإرهاب المناقض لديننا الإسلامي السمح، هذا مع دعوتنا المخلصة لمعالجة كل أسبابه في كل مكان من العالم. وخاصة ما يعانيه الشعب الفلسطيني الشقيق، حيث لن تستقر هذه المنطقة الحيوية من العالم إلا بنيله حقوقه المشروعة وقيام دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتحرير ما تبقى من الأراضي العربية المحتلة. آملين أن يسعى الأشقاء العرب في هذا الظرف الدقيق إلى بلورة مشروع فعال للعمل المشترك عربيا وإقليميا ودوليا بما يستدرك الفراغ الخاص في المنطقة العربية ويعيد الأمل والتفاؤل لشعوبنا العربية وفتح أمامها آفاق المستقبل اللائق بها وبتطلعاتها المشروعة.

وبانتهاء رئاسة البحرين للدورة الحالية من مسيرة مجلس التعاون، فإنا نتطلع بثقة وأمل إلى القمة الخليجية القريبة في سلطنة عمان الشقيقة برئاسة أخينا العزيز صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد، داعين الله أن يوفقنا جميعا إلى مزيد من التقارب الفعال بين دولنا وشعوبنا الشقيقة في عالم لا مكان فيه إلا للمنظومات المترابطة حماية لأمنها ومصالحها الحيوية المشتركة.

أما على الصعيد الثنائي مع الأشقاء في دولة قطر، فقد جاء القرار التاريخي لمحكمة العدل الدولية بتثبيت سيادة البحرين الكاملة على جزر حوار مكسبا مضاعفا ومشتركا للبلدين الشقيقين، حيث تثبت الكيان الإقليمي والدولي لأرخبيل البحرين جزرا ومياها، وانفتح في الوقت ذاته باب التكامل والتقارب على مصراعيه مع دولة قطر الشقيقة بقيادة أخينا العزيز الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي لا يألو جهدا في المبادرة إلى المشروعات المشتركة مع دولة البحرين وفي مقدمتها مشروع الجسر، وتوصيل الغاز، والإعداد للاستفادة من العمالة البحرينية المدربة.

وعلى الصعيد الدولي، حيث أصبح العالم اليوم منظومة واحدة تقتسم السراء والضراء، فإن ما أنجزته البحرين مؤخرا بحصولها على مزايا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأميركية خارج إطار حلف الأطلسي، لم يأت تصادفا مع حدث محدد أو انعكاسا عابرا لمصلحة ظرفية، وإنما جاء في الواقع تعبيرا موضوعيا عن الصداقة التاريخية بينهما لأكثر من مئة عام، منذ بدأناها بالمشروعات الإنسانية وأبرزها المستشفى الأميركي الذي قام ويقدم على مدى أكثر من قرنت خدمات للبحرين وجيرانها في الخليج العربي، هذا ومن أهم ما سنعمل على اكتسابه من هذه المزايا كحليف رئيسي للولايات المتحدة: العائد الاقتصادي لرخاء شعب البحرين الذي توفره مثل هذه المكانة الدولية الباعثة على الثقة، حيث أصبحت البحرين بهذه الشراكة الاستراتيجية المنتقاة ضمن منتدى الدول المتطورة في آسيا والشرق، المشمولة بهذا التميز المستحق. وبهذه المناسبة فيطيب لي أن أعرب عن تقدير البحرين وشكرها للرئيس الأميركي الصديق جورج دبليو بوش على إقراره اتفاقنا المشترك بحصول البحرين على هذه المكانة المرموقة في العالم.

شعبنا الوفي،

أما على صعيد الثقافة الوطنية التي حان الوقت لأن يشملها بالاهتمام والرعاية والتعميق مشروعنا الوطني للتحديث الشامل فإن ترشيد النظر إلى تاريخ الوطن مسألة حيوية في تقديرنا لتأصيل هذا المشروع الوطني وفي مقدمته اعتبار مختلف مظاهر كفاحنا الوطني، كما كان في الحقيقة، كفاحا من أجل الهدف الواحد بين القيادة والشعب ألا وهو حماية استقلال البحرين وسلامة كيانها حيال الأطماع الخارجية أيا كانت، حيث التقت إرادتنا الوطنية دائما حول هذا الهدف سواء تمثل هذا الكفاح في جهود القيادة، أو في مبادرات القطاعات الوطنية عبر الأجيال لصيانة الاستقلال، ومهما تباينت أساليب العمل بحسب الظروف التاريخية والسياسية في كل موقف، حيث كان كفاحنا هادئا صامتا حينا، وظاهرا لافتا حينا آخر، سياسيا تارة، وتربويا أو دينيا أو اقتصاديا تارة أخرى.

وبناء عليه فإننا نريد اليوم أن تتجلى هذه الملحمة الوطنية المشرفة بأكملها في كتابة تاريخ البحرين، ومناهج التربية الوطنية، وكذلك في حياتنا العامة من خلال المتحف وتسمية الشوارع وإقامة نصب وطني كبير باسم (شعلة الفداء) تخليدا لذكرى كل من ضحى دفاعا عن البحرين.

وإن ما ينعم به مجتمعنا البحريني من نبيل قيم الوفاء والمحبة والتقدير التي تربط بين جميع أفراده لهو مبعث سعادتنا، وإن البحرين لتقدر على الدوام أبناءها الأوفياء الذين أسهموا ويسهمون بجهود مخلصة وعطاء متواصل في خدمة وطنهم ومجتمعهم والمشاركة في بناء نهضة بلدهم وتقدمه وإعلاء شأنه ورفع اسمه عاليا.

ولعل من بين أوجه هذا التقدير إطلاق أسماء أولئك المواطنين المخلصين على بعض الطرق والشوارع في البلاد تكريما لهم وتعبيرا عن تقدير الدولة واعتزازها بهم، أسوة بمن سبقوهم في مثل هذا التكريم، ولمن سيأتي بعدهم من رواد العطاء الوطني، استمرارا لهذا البرنامج الهادف لإحياء ذاكرة الوطن بكل عناصر تراثه المجيد.

وانطلاقا من ذلك المبدأ وتكريسا له فقد أمرنا بتسمية عدد من الشوارع في البلاد بأسماء عدد من الشخصيات التي نقدر لها عطاءها ونجلّ لها دورها الريادي ووطنيتها المخلصة وولائها العميق لتراب هذا الوطن عرفانا وتقديرنا منا لهم، وذلك من واقع خبرتنا الشخصية مع هذا الرعيل من الرواد، وأخص بالذكر:

الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة والسيد أحمد بن علي كانو، والسيد محمود العلوي، والأستاذ إبراهيم العريض، والسيد عبدالعزيز الشملان، والأستاذ حسن الجشي.

أما على مستوى التعليم الجامعي فلقد وجهنا الجهات المعنية بإنشاء كلية للحقوق، تعنى بتدريس مختلف تخصصات القانون وفلسفته ومدارسه تأصيلا لهذه المفاهيم الأساسية في حياتنا الوطنية باعتبار البحرين مملكة دستورية تحترم الحقوق والقوانين ضمن منظومة الديمقراطيات المتحضرة في العالم. وضمن هذا التوجه العلمي التأصيلي: وجهنا كذلك لإنشاء تخصصات تعني بتدريس الشريعة الغراء، وذلك لتخريج علماء الدين الوطنيين المقتدرين على خدمة هذا المجتمع الإسلامي السمح. أما على الصعيد التعليمي الشامل، فقد وجهنا بسياسة تعليمية تقوم على إعداد أبناء البلاد لاحتياجات سوق العمل، ومتطلبات الاقتصاد الوطني، وأن تهدف المناهج في المدارس والجامعات إلى تلبية متطلبات العصر وإعداد الأجيال الجديدة لاستيعاب العلوم والتقنيات الحديثة.

وفيما يتعلق بترشيد السياحية في البلاد، حيث تتضافر مقومات البحرين الحضارية والاجتماعية والطبيعية لتقديم سياحة متمدنة راقية، فإن مثل هذه السياحة هو ما سنحافظ عليه ولن نسمح بما يهبط بمستواها، وقد تم إهمال المعنيين في القطاع السياحي باتخاذ ما يلزم بهذا الشأن، مؤكدين أن مراعاة قيم البحرين وتقاليدها مما لا يمكن التهاون فيه. وكما ننشد في الحياة السياسية الحرية المسئولة فإنا ملتزمون في الحياة الاجتماعية بالانفتاح المسئول في إطار شريعتنا السمحة.

ومن أبرز دواعي ثقتنا بهذه التوجهات، ما يتصف به شعب البحرين من وعي وطني مستنير هو انعكاس لنضج المجتمع المدني البحريني ومؤسساته الأهلية، بما يعبر عن رأي عام مسئول ومتوازن، يتخطى انفعال الشارع في أنحاء أخرى من العالم. وفي تقديرنا فإن دخول المرأة في العملية السياسية، من جانب آخر، يمثل عامل استقرار وتوازن بحكم طبيعتها المسئولة في الأسرة والمجتمع وذلك ما نعتبره جزءا حيويا من رسالة المجلس الأعلى للمرأة الذي يسعدنا كونه من انجازاتنا الوطنية هذا العام.

أيها الإخوة: ومن أهم ما ينبغي أن نتبينه بصدد العهد الوثيق الذي بيني وبينكم على أساس ميثاقنا الوطني هو:

إن ما توافقنا عليه وشرعنا في تحقيقه من مشروع التحديث الشامل في النظم والمؤسسات، ومن وحدة وطنية صادقة، لهو تحول وإنجاز لا مثيل له بفضل الله وليس سهلا بلوغه في تاريخ الأمم في مثل هذا الوقت الوجيز, فعلينا أن نحافظ عليه بكل ما أوتينا من عزم وحكمة. والمهم أن نواصل الانطلاق بكل التصميم الذي بدأنا به، وأن تظل هذه الانطلاقة سائرة نحو الهدف بلا توقف أو تفرق، ذلك لن يستفيد منه إلا من يريد المس بروعة الإنجاز الوطني وبمكاسبكم الذاتية منه، وهو ما لن نسمح به حماية للبحرين ومستقبل أجيالنا ومناخ الحرية والتلاحم الوطني الذي صنعناه معا، بإرادتنا الوطنية الحرة، بمنأى عن أي تدخل، وما الفضل إلا الله وحده، ثم إجماعكم الحاسم على هذا التحول التاريخي.

وكل هذا النجاح، أيها الإخوة، يزيدنا ثقة بأن الخير مقبل وسيعم الجميع في هذا الوطن بإعادة تنظيم قدراتنا الإنتاجية المشهود لها الامتياز، وبتعميق التعاون البناء مع الأشقاء والأصدقاء في المشروعات المقبلة، وعبر الآفاق المستجدة الرحبة الآخذة في التطور بيننا وبينهم والتي ستجعل من البحرين بإذن الله أكبر حجما بما يدعونا إلى التسامي جميعا لمثل هذه المكانة العالية.

مقدرا لكم جميعا، في البدء والختام، التفافكم الشعبي الرائع الذي أعتبره أقوى الحوافز لتحقيق أكبر الآمال والتطلعات لمستقبل هذا الوطن المتميز العزيز، فإني أيها الإخوة منكم وإليكم، كما أنكم لدي نعم الأهل، وكلي فخر واعتزاز بكم: عطاء وخلقا.

وختاما أيها الإخوة، فما كان لنا أن ننجز بفضل الله هذا السجل الحافل، لولا الدعم المتواصل والإسناد المقدر والبذل الكبير من لدن صاحب السمو العم العزيز الوالد الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، والمؤازرة الفتية المخلصة من قبل صاحب السمو الابن العزيز الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ولي عهدنا القائد العام لقوة الدفاع. وبلا ريب فان كفاءة جهازنا الحكومي وسرعة إنجازه لأوامرنا قد ذللت الكثير من الصعاب ومكنتنا من بلوغ ما نريد تحقيقه في هذه المرحلة من العمل الوطني، فلكل العاملين في أجهزة الدولة شكرنا وتقديرنا على أدائهم المتميز.

مبتهلا إلى المولى القدير، أن يثبتنا على الحق، ويديم نعمة الترابط بيننا، ويهدينا إلى سبيل الرشاد، وأنه نعم المولى ونعم النصير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العدد 2373 - الخميس 05 مارس 2009م الموافق 08 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً