العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ

الطريق العربي إلى حرب رمضان 7391

قبل حرب 6 اكتوبر - وهي الحرب التي أطلقت عليها تسميات مختلفة مثل العبور، تشرين، رمضان وحرب يوم الغفران «عيد كيبور» - كان الوضع العربي في حال من التشتت بين اللاحرب واللاسلم. فالناس التي أصيبت بصدمة سياسية في حرب يونيو/ حزيران 7691 «حرب الأيام الستة بحسب التسمية الاسرائيلية» كانت تنتظر الرد وأخذ الثأر. والدول العربية كانت تنتظر الظروف لإعلان موقف حاسم يحدد الخطوات بين الحرب والسلم. جاءت الحرب في وقت مناسب لأنها كانت الخيار الوحيد أمام الدول العربية المعنية بموضوع الصراع العربي- الصهيوني. فالدولة العبرية أقفلت امام العواصم العربية كل الطرق وسدت كل المنافذ ولم تترك امامها سوى سبيل اللجوء إلى السلاح للحد من التردد وترجيح خيار القوة على خيار التفاوض. لم تأت حرب اكتوبر/ تشرين الأول 3791 من فراغ فهي تأسست أصلا على نتائج هزيمة يونيو. فتلك الهزيمة كانت قاسية لانها احبطت آمال الجماهير العربية التي اعتقدت ان الحرب مع «إسرائيل» مجرد نزهة ويمكن اقتلاعها بسهولة. وبسبب ارتفاع سقف الاحلام والتوقعات سقطت الكارثة بقوة على الشارع العربي وأحدثت في داخله فجوات نفسية وسياسية عبرت عن نفسها بارتداد حركة القوميين العرب مثلا عن مشروعها القومي والوحدوي العربي واتجهت نحو تبني ايديولوجية لا تعطي أهمية للمسألة القومية او عامل الهوية في تعزيز التماسك وإحداث التغيير. حرب اكتوبر كانت ضرورة سياسية - نفسية وجاءت في وقت مناسب للرد على حاجتين، الاولى: رد الاعتبار إلى الشارع العربي المحبط. والثانية رد الاعتبار إلى الأنظمة العربية التي لم تنتكس على رغم الهزيمة. كان لا بد من الحرب، فهي الخيار الأفضل في سلسلة حلقات اسهمت «اسرائيل» في احباطها حين شعرت انها أصبحت في موقع القوة وبالتالي فان المنتصر يستطيع فرض شروطه وليس بحاجة إلى تقديم تنازلات لأطراف هزمت في ستة ايام. حرب اكتوبر اذا لم تأت من دون مقدمات سياسية. فهي الجواب العملي للرد على منطق القوة والغرور وكان لا بد منها لكسر التردد والخروج من معادلة اللاحرب واللاسلم. هذه المقدمات السياسية لم تبدأ من حرب 7691 وانما تعود إلى بدايات المأساة الفلسطينية التي أشرف الانتداب البريطاني على تنظيمها وترتيبها تاركا المنطقة تتخبط في حروب دائمة لاتزال مستمرة حتى ايامنا. هزيمة يونيو تأسست على نكبة فلسطين. والأخيرة كانت نتاج ذاك الوضع المشرذم الذي لا يتفق على مسألة إلا ويختلف على غيرها. فقبل الهزيمة عقد مؤتمر الدار البيضاء في 31 سبتمبر/ أيلول 5691 وشاركت فيه 21 دولة عربية وصدرت عنه قرارات تدعو إلى الموافقة «على نص ميثاق التضامن العربي» والمطالبة «بتصفية القواعد الأجنبية» ومنع «انتشار الأسلحة النووية» ودعم «منظمة التحرير الفلسطينية» و»استثمار مياه نهر الأردن» واخيرا التخلي «عن سياسة القوة وحل المشكلات الدولية بالطرق السلمية». هذا الكلام صدر قبل حرب يونيو ويفهم منه ان الدول العربية تميل إلى حل المشكلات بالطرق السلمية. الا ان «اسرائيل» رفضت التوجه العربي الرسمي في العام 5691 وبدأت بتحويل روافد نهر الأردن الأمر الذي استدرج المنطقة الى حرب انهزمت فيها الدول العربية المعنية وسقطت القدس وكل فلسطين وسيناء والجولان. بعد الهزيمة التقت الدول العربية في الخرطوم بتاريخ 92 اغسطس/ آب .7691 وقاطعت سورية القمة لأنها دعت «إلى حرب تحرير شعبية». وفي الخرطوم اكدت الدول المجتمعة اللاءات الثلاث «لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح». واعادت التذكير بضرورة «وحدة الصف العربي» والالتزام «بميثاق التضامن العربي» و»ازالة آثار العدوان» والعمل «على انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي العربية» واستئناف ضخ النفط «الى الولايات المتحدة، بريطانيا والمانيا الغربية» واقرار مشروع «انشاء صندوق الانماء الاقتصادي العربي» والاسراع في «تصفية القواعد الأجنبية في البلاد العربية». بعد قمة الخرطوم جرت قمة الرباط «9691» وقمة القاهرة «0791» وقمة القاهرة الطارئة «0791». وكررت القمم ما سبق التفاهم عليه مؤكدة ضرورة «وضع استراتيجية عربية لمواجهة اسرائيل» وغيرها من نقاط لها صلة بالخلافات العربية - العربية او المشكلات الاردنية - الفلسطينية. أحدثت هزيمة يونيو هزة سياسية عنيفة ودفعت الدول العربية الى اتباع سياسات غير متجانسة اعطت ذريعة لـ «اسرائيل» في الاستمرار في اتباع سلوك المتفوق الذي يستطيع ان يفعل ما يريد من دون اكتراث للاحتقان الإقليمي والمشروع الدولي الذي يطالبها بالانسحاب من الاراضي العربية والفلسطينية المحتلة. وحددت تل ابيب سلسلة اهداف واخذت تطبقها بهدوء وفق تصورات أملتها نتائج حرب يونيو. فهي قررت على صعيد القدس ضم المدينة وتوحيدها واعتبارها عاصمة لـ «اسرائيل». وعلى صعيد الجولان والضفة الغربية أخذت تضع مشروعات اسكانية لتوطين المزيد من المهجرين اليهود من دول العالم وبناء مستعمرات لهم. وعلى صعيد سيناء اخذت تستغل الثروة النفطية وتسوقها لمصلحتها كذلك باشرت في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 8691 في وضع خطة للدفاع اطلق عليها «خط بارليف» نسبة إلى رئيس الاركان حاييم بارليف. وصفت خطة بارليف بالدفاع الثابت وأسهمت في اثارة نزاع في هيئة اركان الجيش الاسرائيلي حين اقدم الميجر جنرال ارييل شارون مدعوما من الميجر جنرال يسرائيل طال على طرح خطة معاكسة تعتمد نظرية «الدفاع المتحرك» وتقوم أصلا على فكرة ان «اسرائيل» لا تملك حدودا لتدافع عنها دفاعا منظما. فشارون وطال، طرحا نظرية «الضربات الهجومية» التي تنقل المعركة إلى ارض الخصم والاعتماد على القوات المتحركة لا الثابتة. وانحازت وزارة الدفاع إلى خطة بارليف. وحين سقط «خط بارليف» في الضربات الاولى من حرب اكتوبر طرحت نظرية بارليف ارضا واستعيدت خطة شارون الذي قاد الهجوم المتحرك ونقل المعركة إلى أرض الخصم. وشارون الآن هو رئيس حكومة «اسرائيل» ولا يزال يتمسك بنظريته ويعتمد عليها في تعاملاته مع الدول العربية. على المقلب الآخر كان الوضع العربي يتخبط بين الحرب والسلم. فالرئيس المصري جمال عبدالناصر أدرك بعمق أبعاد الهزيمة فحاول الاستقالة محملا نفسه المسئولية. الا ان التظاهرات العربية التي عمت المنطقة حملته على التراجع واعدا الناس بازالة اثار العدوان واعادة بناء الجيش المصري من جديد ووضع خطة عسكرية للتحرير. كانت العملية مكلفة وصعبة. فـ «اسرائيل» آنذاك استغلت سيطرتها على الضفة الشرقية لقناة السويس مستفيدة من قربها من المدن لتوجيه ضربات مؤلمة ضد المدنيين الامر الذي دفع الملايين إلى مغادرة مدن القناة إلى القاهرة وغيرها من مدن. الا ان «اسرائيل» وسعت دائرة القصف وأخذ طيرانها الحربي يقوم بغارات ضد احياء مدنية في القاهرة وضواحيها موقعا عشرات بل مئات الضحايا من المدنيين بقصد ترويع الاهالي وزعزعة ثقة الناس بعبدالناصر. عبدالناصر من جهته واصل بصمت اعادة بناء الجيش المصري وتحديث سلاحه ووضع خطط العبور العسكرية. ودخل آنذاك في معركة يومية طويلة على ضفتي القناة اطلق عليها «حرب الاستنزاف». كانت حرب الاستنزاف مهمة للجيش المصري وحقل تجارب لأسلحته الجديدة وكذلك أسهمت في تدريب القوات الشابة على خوض غمار المعارك اليومية. كانت الحرب منهكة لـ «اسرائيل». فمثلا بعث الميجر جنرال يسرائيل طال رسالة إلى وزير الدفاع موشي دايان في 02 سبتمبر 0791 ذكر فيها ان عدد الاصابات التي الحقت بصفوف «لواء سيناء» في الفترة الممتدة من يناير/ كانون الثاني إلى يونيو 0791 «ستة أشهر» بلغت 894 اصابة بينهم 96 قتيلا. وبسبب الخسائر الاسرائيلية العسكرية اليومية ردت تل ابيب بقصف المدن والاغارة على الاحياء المدنية في القاهرة لاثارة المخاوف النفسية في الشعب المصري. في تلك الفترة نجحت مصر في الحصول على صفقة من الاسلحة السوفياتية الحديثة تتضمن صواريخ سام متطورة تستطيع اصابة الطائرات الحربية الاسرائيلية «ميراج الفرنسية، وفانتوم الاميركية» وكان عبدالناصر يحرص على نصب تلك الصواريخ في منطقة القناة لتشكيل حائط عسكري يمنع الطائرات الحربية من اختراق الجبهة المصرية والتوغل في عمق المدن واحيانا العاصمة. وبناء عليه قرر عبدالناصر الموافقة على ما يسمى «مشروع «ويليام» روجرز» الذي اقترح وقف «حرب الاستنزاف» والدخول في مفاوضات لحل مشكلة الاحتلال. لاقت خطوة عبدالناصر الاعتراض من جهات عربية ووافقت عليها جهات اخرى واندلعت مظاهرات فلسطينية ضدها في الاردن وتوترت الاجواء الى ان اندلعت مواجهات دموية في عمان في سبتمبر 0791 فاضطر عبدالناصر إلى التدخل لوقفها ودعا إلى قمة طارئة في القاهرة اوصت بالانهاء «الفوري لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الاردنية وقوات المقاومة الفلسطينية». وتوقف الاقتتال في الاردن ليتوقف قلب عبدالناصر عن الخفقان في نهاية القمة الطارئة. ورحل عبدالناصر ليحل مكانه نائبه الرئيس انور السادات. مع السادات دخلت مصر في طور سياسي جديد وبدأت المشادات بين الرئيس ومراكز القوى الأمر الذي انعكس سلبا على التوازنات الداخلية ودور مصر العربي. الا ان السادات كان يدرك في النهاية انه لا يستطيع ان يتحرك داخليا اذا لم يحسم امر سيناء و»ازالة آثار العدوان». وعد السادات مصر بأن العام 1791 هو «عام الحسم» الا ان الحرب الهندية - الباكستانية طغت عليها فاضطر الى تأجيلها الأمر الذي انعكس سلبيا في الداخل واحدث توترات ومظاهرات ضده. ووعد السادات بأن يكون العام 2791 هو «عام الحسم» ولم يحصل الامر فأدى إلى مزيد من الاضطرابات والانشقاقات الداخلية. كانت مشكلة السادات مزدوجة فهو لا يثق بالخبراء السوفيات ويرى ان موسكو تعطل الحرب لاضعافه امام خصومه الناصريين واليساريين، وهو ايضا غير قادر على التصرف والحسم السياسي مع مراكز القوى اذا لم يسجل نقطة عسكرية لمصلحته في جبهة القناة ضد الاحتلال الاسرائيلي. فالحرب تحولت إلى حاجة داخلية في وقت أقفلت تل ابيب كل الابواب والمنافذ امام الدول العربية للتوصل إلى اتفاق ينهي الاحتلال للأراضي التي احتلت في العام .7691 في هذا الوضع المتردي اتخذ السادات خطوة أثارت دهشة العالم واطلقت المخاوف اذ قرر طرد «الخبراء السوفيات» من مصر ووضع كل القواعد وبطاريات الصواريخ في يد ضباط الجيش المصري. خطوة السادات أثارت نقاشات حادة وانقسم الرأي العام إلى طرفين: الأول اعتبر عملية الطرد الخطوة الاولى على طريق بدء الحرب المؤجلة. والثاني اعتبرها خطوة استراتيجية كشفت مصر عسكريا وهي بداية التراجع عن الوعد او ما يسمى «عام الحسم». طال «عام الحسم» وامتد طويلا ومالت كل المؤشرات إلى ترجيح نظرية ان طرد الخبراء السوفيات هي ازالة عقبة سياسية - دبلوماسية دولية امام الهجوم المصري المنتظر. «اسرائيل» اقفلت الابواب كلها وكل الطرق كانت تشير إلى الحرب. وهكذا كان. ففي الساعة صفر التي اتفق عليها مع الرئيس السوري حافظ الاسد بدأ الهجوم العربي في وقت واحد على الجبهتين: الجولان وسيناء. فكانت الحرب وهي الاضخم والاقوى في تاريخ العرب الحديث وكادت ان تحسم توازن القوى ونقل الدول العربية من حال الى اخرى. ولكن اختلاف التوجهات بين «حرب التحرير» و»حرب التحريك» أحبط الفرصة وعطل امكانات الخروج من مأزق الاحتلال. ولكن ومهما كانت التحليلات واختلفت التفسيرات احدثت الحرب مفعولها السياسي فقد حطمت غرور «اسرائيل» واثبت العرب قدرتهم على النهوض

العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً