العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ

الصحافة العربية في مقالين... هيكل يستبق الحرب ويعقب على نتائجها

خصصت الصحافة العربية جزءا من مساحتها لأهم المقالات التي كتبت خلال الحرب ولعل أشهرها مقالات عميد الصحافة العربية محمد حسنين هيكل. ومن أبرزها مقال كتبه قبل يوم من وقوع حرب أكتوبر في 5/01/ 3791 وكان تحت عنوان «والخطر على الشرق الأوسط». والمقال الثاني كتبه في 82/01/3791 في ضوء الحرب وركز فيه على ثغرة الدفرسوار ويحمل عنوان «سؤال ثان... قصة التسلل... الثغرة!». وننشر هنا مقتطفات من المقالين. المقال الأول إن المقاصد الكبرى هي الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة في هذه المنطقة، والوسائل هي الاستراتيجية الأميركية في هذه المنطقة واذن فان سؤالنا يصبح الآن هو: ما هي استراتيجية الولايات المتحدة في هذه المنطقة وفي هذه الظروف الراهنة؟ وهنا نجد امامنا خطوطا استراتيجية متعددة متوازية احيانا متداخلة في احيان أخرى ولكنها جميعا في الاتجاه نفسه. الخط الأول هو: اخراج الاتحاد السوفياتي من المنطقة العربية كطرف مباشر في علاقاته معها «ومع الاحتفاظ له بحقوقه ضمن المصالح والموازين العالمية باعتباره واحدا من القوتين الاعظم». وكانت وسيلة الولايات المتحدة إلى ذلك هي تجميد أزمة الشرق الأوسط بكل الوسائل. - قفل أبواب أي حل معقول على اساس قرار مجلس الأمن. - وفي الوقت نفسه فتح ابواب مخازن السلاح بغير حساب لـ «إسرائيل». وهكذا لم تتجمد أزمة الشرق الأوسط فقط، ولكن تجمد أيضا دور الاتحاد السوفياتي في حلها وفي ذلك، فان الولايات المتحدة استغلت إلى اقصى حد فهمها لاولويات ا لاتحاد السوفياتي ونظريته الدفاعية عسكريا، ونظريته الهجومية سياسيا وعقائديا. كانت تعرف ان الأمن الأوروبي شاغله الأكبر. وكانت تعرف ان اسلوبه في الشرق الأوسط - كما في غيره من مناطق الهجوم السياسي والعقائدي - أسلوب مدى طويل ينتظر التفاعلات التاريخية وتطوراتها الطبيعية. وكانت تعرف في الوقت نفسه ان الامة العربية تعيش بنفاد الصبر وان جرحها بعدوان سنة 7691 لا يستطيع انتظار التفاعلات التاريخية وتطوراتها الطبيعية. ومتى تجيء؟ وهكذا بدأ التململ والتبرم في العلاقات العربية السوفياتية. ومن سوء الحظ ان الطرفين العربي والسوفياتي معا لم يستطيعا تحليل هذا الخط الأميركي، أو انهما حللا ثم عجزا عن التصرف أو اختلفت بينهما السبل. الخط الثاني وهو متصل بالخط الأول هو: اخراج السلاح السوفياتي من المنطقة. وقد كان دخول السلاح السوفياتي إلى المنطقة هو بداية الدور السياسي السوفياتي النشيط فيها، ويمكن ان يكون خروج السلاح السوفياتي هو نهاية الدور السياسي السوفياتي النشيط فيها. وكانت الحملة الأميركية ضد السلاح السوفياتي ضارية. ومن سوء الحظ مرة أخرى ان الطرفين العربي والسوفياتي شاركا بنصيب في النجاح الجزئي الذي اصابته هذه الحملة حتى الآن واندفعا إلى حوار لم يكن في مصلحة اي منهما: سنة 7691: كان الاتحاد السوفياتي يقول للعرب: - انكم أسأتم الينا وكشفتم موقفنا حينما عجزتم عن استعمال سلاحنا. سنة 8691: كان العرب يقولون للاتحاد السوفياتي: - انكم لم تعطونا ما كان لازما للمعركة ولابد أن تصححوا. سنة 9691: كان الاتحاد السوفياتي يقول للعرب: - السلاح لم يصنع لكي يتكدس في المخازن ولكن لكي يتم استيعابه. سنة 0791: كان العرب يقولون للاتحاد السوفياتي: - قارنوا بين الفانتوم وبين الميج 12». سنة 0791 وسنة 1791 وسنة 2791 وسنة 3791 كان العرب مازالوا يحصلون على سلاح من الاتحاد السوفياتي ولكنهم كانوا قد بدأوا يدقون أبوابا أخرى: بعضهم ذهب إلى أوروبا الغربية وهذا معقول لأن سلاحها يمكن استخدامه ضد «إسرائيل»، وبعضهم الآخر ذهب إلى الولايات المتحدة ذاتها وهذا غير معقول لأن سلاحها لا يمكن استخدامه ضد «إسرائيل». والمسألة ان السلاح ليس ارتباط يوم، وانما السلاح ارتباط سنوات طويلة، بالتدريب والخبرة وقطع الغيار إلى آخره. الخط الثالث للاستراتيجية الأميركية هو: تعميق التناقضات الإقليمية في المنطقة واضافة تناقضات جديدة إلى ما هو موجود منها فعلا. لقد جرى مثلا تعميق التناقض العربي الإسرائيلي، فان التأييد الأميركي لـ «إسرائيل» جعل مشكلة «إسرائيل» أكبر من مشكلة فلسطين. لم تعد الأزمة في الشرق الأوسط - كما كانت قبل 5 يونيو/ حزيران 7691 هي حقوق شعب فلسطين، وانما أصبحت الأزمة هي تراب الشعب المصري وتراب الشعب السوري والخطر الإسرائيلي على كل تراب عربي. وهناك الآن امام عيوننا محاولة لخلق وتعميق تناقض إقليمي آخر وهو التناقض العربي - الإيراني. وكان هذا التناقض حتى الأمس في إطار نزاع المياه الإقليمية في شط العرب بين إيران والعراق. المقال الثاني سؤال ثان مطروح بالحاح، ولعله من اهم الأسئلة التي تثيرها تطورات الحرب الدائرة الآن في الشرق الأوسط، واظنه سيظل من اكثر الموضوعات مدعاة للجدل في المستقبل وهو: ما هي قصة هذا التسلل؟ هذه الثغرة التي استطاعت القوات الإسرائيلية منها ان تنفذ عبر البحيرات المرة من شرق إلى غرب قناة السويس؟ ماذا حدث؟ كيف حدث؟ إلى آخره؟ لقد بدا ذلك الاختراق غريبا لأول وهلة، ولكن وجه الغرابة فيه يزول اذا تذكرنا خريطة الأوضاع على الجبهة المصرية وقتها. ماذا حدث؟ وكيف؟ ولماذا؟ لابد أن اقول صراحة ان ذلك ليس مطروحا للمناقشة هنا، كما انه ليس مطروحا للمناقشة الآن. ومع ذلك، فلابد أن أقول إن ما حدث لا ينتقص من قيمة الانجاز العسكري المصري، كما انه لا يتصل من قريب أو بعيد بروح القتال لدى الضابط المصري والجندي المصري. وفوق ذلك، فاني اضيف ان ما حدث كان ولايزال في نطاق ما يمكن مواجهته وبكل الوسائل. ان القوات الإسرائيلية التي تدفقت من خلال الثغرة التي ركزت عليها المدرعات الإسرائيلية في المفصل ما بين الجيشين وعبر البحيرات المرة - واستماتت في التركيز عليها - سمحت لقوة عمل يقودها الجنرال ارييل شارون، وهو من الخبراء في عمليات الاختراق والتطويق، ان تنفد إلى الغرب من قناة السويس. وكانت قوة العمل الموضوعة تحت قيادة شارون، وفقا لتقديرات درو ميدلتون، وهو من ابرز المعلقين العسكريين الآن، تضم مجموعة لواءين من المدرعات، ولواء واحدا من المشاة الميكانيكية، ومجموعة من قوات الكوماندوز. إن هذه القوة حاربت حربا غريبة، ولعلي اقول انها حرب جديدة. اكاد اسميها حرب عصابات بالدبابات. لقد تمركزت هذه القوة أولا في منطقة الدفرسوار، وهي ملتقى طرق متعددة: جنوبا إلى السويس، وشمالا إلى الاسماعيلية وبورسعيد. ثم راحت هذه القوة ثانيا تدفع مفارز صغيرة من الدبابات في كل اتجاه، تجس هنا وهناك، وتبحث لنفسها عن طريق تندفع عليه. كان هدفها مزدوجا: هدف عسكري، وهدف نفسي، هدفها العسكري ان تطول اقصى ما تستطيع ان تطوله من مواقع شبكة الصواريخ المصرية. وكان هدفها العسكري أيضا ان تعمل على مؤخرة جيش من الجيشين وعلى طرق امداده، بينما هو مشغول بمعارك الدبابات امامه. وفي النهاية، فان هذه القوة دفعت بعض عناصرها نحو الجنوب، وبدا ان هدفها هو مؤخرة الجيش الثالث. وكان الهدف النفسي هو التأثير على الاعصاب، وبالذات هنا في القاهرة، ووراءها العالم العربي كله ثم العالم الخارجي أخيرا. وصدرت البيانات الإسرائيلية تقول ان القوات الإسرائيلية على بعد كذا كيلومتر من القاهرة، وكان هذا كله - عسكريا - لا يعني شيئا، ولكنه بالنسبة لاعصاب مرهفة كان ثقيلا. وربما اضفت ان لهجة البيانات الرسمية المصرية إلى جانب ما راحت تصبه الاذاعات الاجنبية، جعله اشد ثقلا! كانت الحرب هناك - إلى جانب أهداف عسكرية معينة - حربا على الاعصاب هنا. كانت في الواقع حرب عصابات بالدبابات. عشر دبابات تتحرك على طريق، وعشر دبابات تظهر امام موقع، وعشر دبابات تلف من حول نطاق. بل وأحيانا وصل عدد الدبابات التي تتحرك على طريق، أو تظهر امام موقع، أو تلف عن نطاق، خمس دبابات، بل وثلاث دبابات في احوال كثيرة! وقد اضع في اعتباري هنا عنصرا آخر. ذلك هو أن «إسرائيل» كانت تتوقع قرارا بوقف اطلاق النار، ومن هنا فانها ارادت الانتشار مهما كان هشا على أوسع مساحة، حتى اذا كانت لا تستطيع بسرعة تعزيز هذا الانتشار أو حمايته. كان يهمها ان يجيء وقف اطلاق النار ووجودها محسوس على أكبر رقعة من الارض غرب سيناء

العدد 761 - الثلثاء 05 أكتوبر 2004م الموافق 20 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً