العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ

عيد بأية حال عدت يا عيد

ها هو شهر رمضان الكريم قد انصرمت أيامه وانقضت لياليه، وها هو العيد جاء يترنح مثقل الخطوات، والناس لا تبدي له أي اهتمام، وقد تستقبله بفتور، وتـتمنى أن توصـد في وجهـه الأبـواب، فإنها لم تعد لديها الرغبة في أن تستقبله بكل ترحاب، حتى الأطفال لم تكن لديهم حماسة لاستقباله، على رغم استعدادهم له بتجهيز ملابسهم الجديدة... لقد أصبح العيد كأنه شخص غير مرغوب فيه لدى الكبار والصغار، وهم لا يرغبون في مقابلته أو التقرب إليه! ليست هذه نظرة تشاؤمية للحياة، ولكنه واقع حياتنا المأسوي في عصرنا هذا، الذي أصبح الفرح فيه حلماً يراود الجميع.

وصدق الشاعر حين قال، واصفاً حال عموم الناس عندما يقبل العيد عليهم، وهم في أسوأ حال:

أقبل العيد وليس في الناس المســــــرة

لا ترى إلا وجوه كالحـات مصـفهـــــرة

كيف للناس أن يكون لها عيد تفرح فيه وتبتهج به، وفي قلبها غصة وفي عينها قذى، وهي ترزح تحت نير الظلم وجبروت قوى الشر والظلام في العالم، فأين ما تولي وجهك، تصادف الحروب والدمار والخراب، ففي فلسطين حيث لايزال الأقصى تحتله شرذمة من شذاذ الآفاق، وتستبيح الحرمات وتقتل الأبرياء وتسفك الدماء، وتحرق الزرع والضرع، وتعيث في الأرض فساداً ودماراً، وتبيح كل ما حرمه الله.

وفي العراق تستباح الحرمات ويقتل الآمنون، ولا تراعى حرمة الشهر الفضيل، وتقصف المنازل والمستشفيات بأطنان القنابل، وتدك بالصواريخ، وتتهاوى المنازل على رؤوس أصحابها، ويسقط الشهداء في مواجهات دامية مع ملة الكفر والضلال، وزارعي الرعب والموت والدمار، في الفلوجة وغيرها من المدن العراقية.

وكذلك الحال في أفغانستان حيث لاتزال آثار الحروب والدمار تلف كل البلاد، وعمليات القتل وسفك الدماء مستمرة، وغيرها من الدول العربية والإسلامية كالشيشان وكشمير، إذ يقتل المسلمون وتنتهك حقوقهم، وهم يعيشون في ذل وهوان تحت سياط ورماح المحتل الغاصب لأراضيهم.

وفي الكثير من الدول العربية والإسلامية، لا يكاد أن يخلو بيت من ثكلى أو أرملة أو يتامى فقدوا الحامي والمدافع والمعول، وأصبحوا رهنا للأحزان وعوادي الدهر وتقلبات الزمان، وأصبحت تلك البيوت تعج وتضج ببكاء الثكالى والأرامل والأيتام، فمن أين لهم أن ينعموا بعيد أو تجلب لهم المسرات؟ والأحزان تحاصرهم من كل حدب وصوب، تقلقهم وتقض مضاجعهم.

ولابد أن تكون هناك بيوت - في عالمنا العربي والإسلامي - تلفها وتحيط بها المآسي والأحزان من كل مكان، وفيها النائحات والباكيات على أعزتهم المغيبين في متاهات السجون ظلماً وعدواناً، والمشردين في ديار الغربة والمهجر قسراً وغصباً، والذين حصدت أرواحهم قتلاً وتنكيلاً، فضلاً عمن رحلوا بقضاء الله وقدره، فمن أين يأتي الفرح والسرور لقلوب هؤلاء المكلومة والمثلومة نفوسهم؟!

لم يعد العيد في حياة الناس مصدراً للبهجة والسرور، وإنما هو ذكرى خاطفة اعتاد عليها الناس في هذا العالم المتلاطم الأمواج والمليء بالمآسي والأحزان، وبقي أن يعي الناس بأن ما يحدث في عالمنا هذا ما هو إلا امتحان لنا جميعاً، ليمتحن الله - سبحانه وتعالى - مدى صبرنا ومقاومتنا لكل ما نتعرض له من ظلم وعدوان من قبل قوى الشر والظلام في بلداننا العربية والإسلامية كافة.

وهل بمقدورنا أن نقاوم تلك القوى، لنحرر أنفسنا وأرضنا، ونستعيد عزتنا وكرامتنا، ونضع حداً لما نتعرض له من ظلم وعدوان، وقتل وتدمير وطغيان، لتعم السعادة نفوسنا وترفرف رايات الحرية والعزة والكرامة على بلداننا، ساعتها سيكون للعيد طعم ورونق آخر، وعندها سنستقبل العيد بالأحضان في سعادة وغبطة وسرور.

ولن نردد قول الشاعر الذي كثيراً ما نردده الآن، كلما لاحت في الأفق تباشير العيد، الذي لا يجلب لنا معه لا السعادة ولا السرور:

عيدبأية حـــــــال عــــــــــــــدت يا عيد

بما مضى أم لأمـر فيك تجـديد

أما الأحبة فالبيـداء دونهم

فليت دونـك بيد دونهـا بيد

محمد خليل الحوري

العدد 805 - الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً