العدد 825 - الأربعاء 08 ديسمبر 2004م الموافق 25 شوال 1425هـ

خلطة لبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لا تزال القوى السياسية اللبنانية تخلط بين انتخابات التمديد للرئيس إميل لحود وتعديل المادة 49 من الدستور وبين صدور القرار الدولي 1559 عن مجلس الأمن بشأن السيادة والوجود السوري وسلاح المقاومة والمخيمات الفلسطينية.

الخلط بين المسألتين اطلق سلسلة مواقف متبادلة غلب عليها طابع التشنج فأضعف الأمر الجبهة الداخلية. فالخلط العشوائي انتج ثنائيات غير صحيحة اعتمدت على فرز سياسي غير دقيق وضع المعارضين للتمديد في موقع العداء لسورية مقابل وضع المؤيدين للتمديد في موقع اصدقاء سورية. ومن هذا الفرز المفتعل امتدت سياسة تقسيم القوى إلى مؤيد للقرار 1559 ومعارض لهذا القرار. واعتمد الفرز المنهج السابق نفسه فوضع من عارض التمديد في جبهة المؤيدين للقرار، بينما وضع المؤيدين للتمديد في جبهة المعارضين للقرار... وهكذا انتهى الخلط إلى بعثرة القوى الوطنية وتقسيمها على جبهات متنابذة في وقت تبدو الأمور تتجه نحو التصعيد الذي لن يخدم في النهاية مختلف القوى السياسية، وذلك لسبب بسيط وهو ان الحسابات الموضوعة في الميزان غير صحيحة وعادلة.

أساس الخطأ في الحسابات يبدأ من قاعدة غير دقيقة. فليس كل من عارض التمديد يؤيد القرار 1559 وليس كل من أيد التمديد يعارض القرار. ففي الحسابات نقاط كثيرة يمكن اعتمادها لترجيح كفة على أخرى من دون قطع بين اطراف القوى السياسية اذا كان القصد في النهاية حماية السيادة وضبط العلاقات مع سورية وتحصين المقاومة والحد من الضغوط الدولية.

اذا كان هدف القوى السياسية فعلاً منع تمرير القرار 1559 أو الحد من مخاطره وسلبياته فإن التصريحات المتبادلة والمتشنجة الآن في لبنان لا تخدم هذا الهدف بل انها تسهل عملية الضغوط الدولية وتعطيها المزيد من الصدقية والشرعية. وما يحصل اليوم في لبنان يوفر أفضل المناخ للدخول في مسام الطوائف والمذاهب واستخدام مخاوفها لتفجير وضع قلق يمكن تدارك وقوعه باتباع وسائل أكثر حكمة ودراية بسلبيات المشروع التقويضي الذي تخطط له الإدارة الأميركية.

بعد التمديد للرئاسة وصدور القرار الدولي وصلت الأمور الآن الى تأسيس مجموعة عقد سياسية تقوم معظمها على فرضيات وثنائيات وهمية تنمط الاشخاص والمواقع من دون تفكير دقيق للتمييز بين الصديق والعدو والخصم والتابع وأخيرا بين الحليف الاستراتيجي الدائم والحليف التكتيكي المؤقت. فالقراءة يجب ان تكون دقيقة حتى تنتهي الى حسابات عادلة وإلا سيسقط لبنان في بحر من الفوضى لن يساعد ابدا على معرفة اتجاهات الرياح والاشارات التي تدل عليها البوصلة السياسية.

البوصلة تقول ان هناك مشكلة وقعت ولا يمكن تجاهلها أو التعاطي معها باستخفاف وهي صدور القرار 1559. فهذا القرار واضح من بنوده انه يريد تقويض الدولة من خلال جرها الى مجموعة معارك داخلية لا يمكن ان تنتهي الا بحرب دموية أهلية يصعب تقدير الطرف المنتصر فيها منذ الآن.

هذا القرار الخطير كان بإمكان لبنان تجنبه ولكنه وقع. المعارضة تقول ان السبب هو التمديد وبالتالي فإن الكتلة التي دفعت بهذا الاتجاه تتحمل المسئولية. الموالاة تقول ان القرار اتخذ قبل التمديد وانه كان سيصدر حتى لو لم تندفع الكتل البرلمانية نحو تعديل المادة الدستورية التي تمنع تمديد الرئاسة.

اذاً، هناك مشكلة وقعت وهي تستخدم مطرقة دولية يهوّل بها احياناً للضغط السياسي وربما استخدمت في وقت لاحق اذا وجدت الدول الكبرى ضرورة لها. فأميركا تنتظر الظرف المناسب ولبنان لايزال يدور حول المسألة نفسها: تمديد أو لا تمديد.

المشكلة الآن تجاوزت هذه المحطة والتمديد كان ذريعة للدول الكبرى (وتحديداً واشنطن وباريس) لتمرير مشروع يهدف الى تفجير الوضع الداخلي أو الضغط عليه لانتزاع ما تريده من دون حرب... أو بالحرب، في وقت لاتزال القوى السياسية اللبنانية تخلط في مواقفها بين التمديد للرئيس وقرار مجلس الأمن.

مسألة الخلط بين الاتجاهات اسوأ نقطة افتعلها القرار الدولي وهي في النهاية اذا لم تنجح القوى السياسية في حلها وتجاوزها ستكون الثغرة التي ستنفذ منها الدول الكبرى لتحقيق مشروع تقويضي ستخسر في نهايته مختلف الاطراف المعارضة للتمديد أو المؤيدة له

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 825 - الأربعاء 08 ديسمبر 2004م الموافق 25 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً