العدد 2816 - السبت 22 مايو 2010م الموافق 08 جمادى الآخرة 1431هـ

حرية الصحافة ركيزة المشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الإصلاح السياسي في مفهومه الواسع يشمل مجالات عديدة منها السياسة بمعناها الضيق، أي المشاركة المجتمعية في العملية والنشاط السياسي، ومنها الإعلام للارتباط الوثيق بينه وبين العمل السياسي، ولذلك فإن حرية الإعلام تعتبر من الحريات الأساسية التي يرتكز عليه أي مشروع إصلاحي سياسي.

وحرية الإعلام تعني حرية التعبير، حرية النشر، وحرية الوصول للمعلومات من مصادرها المختلفة.

هذه الحريات الثلاث تعتبر ركيزة حرية الإعلام. ومن هنا كان الارتباط بين حرية الإعلام وبين حرية الصحافة باعتبارها أحد وسائل الإعلام، بل أقدمها، وإن أضيفت لها وسائل إعلامية جديدة بفضل التقدم التكنولوجي في مجال الإعلام، ومن ذلك الإعلام الفضائي مثل الإنترنت والتويتر والفيس بوك وتلعب الوسائل الإعلامية الفضائية دوراً متزايداً بل وبالغ الأهمية والخطورة في التطور السياسي في العديد من المجتمعات.

ولهذا كله فإن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة كان محقاً تماماً في ربطه بين حرية الصحافة والإعلام وبين نجاح مشروعه الإصلاحي الذي أحدث تغيراً جوهرياً في المجتمع البحريني، ترددت أصداؤه في منطقة الخليج بل ما هو أبعد من ذلك، ولعلني أشير إلى ثلاثة قرارات ذات دلالة في هذا الصدد.

الأول: تخصيص جلالة الملك جائزة باسم جائزة اليونسكو الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في مجال التعليم، تتولاها منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتعليم (اليونسكو) وتمنح سنوياً، وهذه الجائزة في بعدها العالمي تعد تعريفاً واقعياً وموضوعياً بفكر رائد الإصلاح الحديث في مملكة البحرين، وفضلاً عن أنها تعريف بالمملكة الفتية على المستوى الدولي وتعزيزاً لمبادئ الثقافة والإعلام والتعليم والابتكار العلمي على مستوى العالم، باعتبار أن المعمورة اليوم أصبحت أشبه بالقرية العالمية.

الثاني: قرار جلالة الملك برعاية الاحتفال بيوم الصحافة العالمي في البحرين ورعاية جائزة البحرين لحرية الصحافة كل عام في يوم 3 مايو/ أيار. هذا القرار يعد بمثابة تشجيع من جلالته للعمل الصحافي الحر والمبدع أياً كان مصدره، وبمثابة ضوء أخضر لكافة الجهات والسلطات بأن جلالته، كما عبر عن ذلك أكثر من مرة يرى في حرية الصحافة أداة الرقابة على كل السلطات لتقويم الأخطاء، وكشف المثالب والعيوب لمصلحة المجتمع ككل.

ولم يكن عجباً أن تتشكل لجنة أمناء الجائزة من شخصيات بحرينية وعربية ودولية ذوي مكانة عالمية مرموقة وخبرة واسعة، كذلك الأمر بالنسبة للجنة التحكيم للجائزة التي تكونت من شخصيات بحرينية وعربية لها باع طويل في العمل الإعلامي. وقد منحت الجائزة لكاتب عمود في صحيفة «المصري اليوم»، وهي صحيفة مستقلة أحدثت منذ صدورها حراكاً إعلامياً وسياسياً واسعاً في المجتمع المصري لأنها قدمت النموذج الحر والواعي والمسئول للعمل الصحافي في ارتباطه بثلاثة أمور، أولها: مبدأ الحرية الإعلامية، وثانيها: مبدأ المسئولية الإعلامية، فالكلمة هي مسئولية بل أكبر المسئوليات وقد أوضح القرآن الكريم خطورة تلك الكلمة بقول الله تعالى «والفتنة أشد من القتل» (سورة البقرة: آية 191). وثالثها: العمل المهني الذي يقدم الرأي الحر مستنداً للأدلة الصحيحة، بعيداً عن الشائعات والأقاويل المرسلة، وبعيداً عن منطق الإثارة والتحريض والتهييج الذي يفقدها المصداقية على المدى البعيد، وإن حقق لها بعض المكاسب المحدودة على المدى القصير.

إن العمل المهني الصحافي هو محور حرية الصحافة، ولهذا قيل في بعض الأدبيات السياسية، إن الصحافة هي السلطة الرابعة في أي نظام سياسي بعد السلطات التقليدية الثلاث، وهي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. وإن إلقاء نظرة على الدور المسئول للصحافة وما يحدثه من آثار بالغة في التغيير في المجتمعات، يوضح لنا بلا شك مثل هذه الخطورة، خذ على سبيل المثال اكتشاف الصحافي الأميركي لمعلومات وسلوك خاطئ أثناء انتخابات الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون مما أدى لما أطلق عليه «فضيحة وترغيت»، وأدت إلى استقالة رئيس أكبر دولة في عالمنا المعاصر. وهناك فضائح دولية مماثلة لعل من أحدثها اكتشاف صحافي لواقعة التعذيب في سجن أبو غريب وما أحدثه ذلك من تداعيات وغير ذلك في دول عديدة أخرى.

الثالث: قرار الملتقى الإعلامي العربي السابع الذي انعقد في الكويت من 25-27 أبريل/ نيسان 2010، وضم أكثر من 200 إعلامي من مختلف الدول العربية يمثلون وسائل الإعلام العربية المقروءة والمسموعة والمرئية، وكان ذلك الملتقى تحت رعاية صاحب السمو الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح رئيس الوزراء الكويتي. هذا الملتقى الإعلامي العربي الهام قرر منح «حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين الجائزة العربية للإبداع الإعلامي عن روح المبادرة الإيجابية لدعم الحريات الإعلامية» وهذه الجائزة هي أرفع جائزة إعلامية يمنحها الملتقى.

ونتساءل لماذا قدمت هذه الجائزة للملك حمد بن عيسى آل خليفة، ونجد الإجابة عن ذلك في قرار اللجنة المانحة للجائزة، والتي في مقدمتها الأسباب التالية:

1 - إنه منذ تولي حمد بن عيسى الحكم قبل عشر سنوات اتبع سياسة واضحة في دعم الحرية الإعلامية، وكان ذلك سبباً مباشراً لإيجاد مناخ عام لدفع العمل للتحديث والتطوير والنهضة.

2 - إن مملكة البحرين شهدت في السنوات العشر الماضية ازدهاراً في العديد من المجالات، وفي مقدمتها المجال الإعلامي، وهذا دليل على المنهج الإبداعي الذي اتبعه جلالته، وهو ما حقق قفزة في الصحافة والإعلام في البحرين من حيث زيادة عدد الصحف والمجلات والدوريات المكتوبة والمرئية والمسموعة.

3 - إن جلالة الملك شجع الإعلام الجاد ودافع عنه باستمرار خلال السنوات العشر الماضية، ووقف إلى جانب الصحافيين كلما ألمت بأي منهم نوائب الدهر نتيجة تخلف الوعي المجتمعي لدى بعض القوى السياسية عن الوعي لدى القيادة صاحبة المشروع الإصلاحي.

4 - إن هيئة الأمانة العامة للجائزة العربية للإبداع الإعلامي وجدت في مملكة البحرين نموذجاً إعلامياً مشرفاً، ينبغي أن يحظى بالاهتمام والرعاية وتسليط الضوء عليه، ليكون قدوة للدول الأخرى، وحافز لمختلف الدول للاقتداء بهذا النموذج.

ولعلنا نتساءل عن دلالات منح هذه الجائزة للإبداع الإعلامي للنموذج الإعلامي البحريني الذي كان الملك مبادراً إلى العمل على إتاحة الفرصة له؟ وهنا ينبغي إبراز ثلاث حقائق:

الأولى: إن الحرية الإعلامية على المستوى العالمي لها تاريخ طويل، وقد ناضل الإعلاميون من أجل هذه الحرية عبر السنين، ونخص بالذكر منذ صدور ميثاق الأمم المتحدة العام 1945 ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونشأة ما عرف بمنظمة المادة 19 حول حرية الصحافة والإعلام. ثم نشأة العديد من الهيئات والتنظيمات الخاصة بحرية الصحافة، وحرية الإعلاميين، ومن ذلك منظمة مراسلون بلا حدود.

الثانية: إن الصحافيين خاصة والإعلاميين بوجه عام يستحقون الحماية والرعاية فهم يخاطرون بحياتهم لتغطية الأحداث الهامة في مواقع بالغة الخطورة، وذهب العديد منهم رجالاً ونساء، مراسلون ومصورون ضحية الاعتداءات الغاشمة من جهات عديدة في دول عديدة نتيجة حرصهم على أداء مهامهم بمسئولية ومهنية واقتدار.

الثالثة: إن المنطقة العربية بوجه عام ماتزال متأخرة في الحريات الصحفية والإعلامية.

هذه الحقائق تجعل النموذج البحريني نموذجاً فريداً. فمساحة الحرية التي أتاحها المشروع الإصلاحي برعاية الملك حمد بن عيسى أصبحت فسيحة وتزداد اتساعاً يوماً بعد يوم. وهنا ينبغي أن نوضح الفارق بين أمرين، أولهما: حرية النقد الموضوعي البناء لما يحدث في الدولة وبين أعمال المهاترات والشائعات والتحريض الذي لا يستند إلى وقائع محددة. وثانيهما: هناك فارق بين حرية العمل في الوطن ونقد ما يحدث فيه من قبل المؤسسات الوطنية وبين أعمال نقد الآخر من خارج الوطن أو حرية نقد الآخرين، ورفض النقد الذاتي بمعنى رفض نقد الذات لإصلاحها، ولهذا لا عجب أنه من الأقوال المأثورة «إن حرية الفرد تبدأ بذاته وتنتهي عندما تبدأ حرية الآخر» وهذا ما يعبر عن مبدأ الحرية الفردية في تفاعلها مع حرية الآخرين في المجتمع، ويوضح الفارق بين مبدأ الحرية ومبدأ الفوضى.

ومن هنا نشير إلى دلالة النموذج الإعلامي البحريني في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى أنه نموذج الإعلام المسئول عن المهنية الإعلامية، والمسئولية المجتمعية. إنه نموذج يرفض أي انحراف إعلامي يمس بقيم المجتمع وتراثه وعقائده وطوائفه ومقدساته ويرفض التحريض ضد نظامه، ويشجع النقد ضد أي أخطاء موثقة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2816 - السبت 22 مايو 2010م الموافق 08 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً