العدد 1089 - الإثنين 29 أغسطس 2005م الموافق 24 رجب 1426هـ

احتفظت بك وأنت تطير

"عندما يقترن وميض بوميض في خط واحد، تخرج من كبد الوقت وردة"، لا أرى إلا قلادة ياسمين مهتوكة المحبة، تلتقطها نظرات المارة من شرود الذكريات، صفحة من كتاب قديم متلاصق من صمغ الكتمان، وأرقاما توثق ساعات الوجع، لحظاته التي تكتنز بالصور والموت والهلع.

ما الذي تبقى في جيب طفل عوده البكاء على استجماع ما أوتي من طاقة الحرمان، ليهيم قرب وجع الفرات ويغسل أحلامه جيدا قبل أن تفر من كلتا يديه في شكل كلمة؟

تحدق في جيبه، كل خلايا الوقت... تبحث عن مخلفات الطفولة، تبحث عن أناشيد الصف الأول، تبحث عن قطع الحلوى المسروقة وعن أجساد الدمى المتكسرة. تبحث عن الأحلام المخبأة في جيبه فلا تجد إلا ثقبا تسربت منه كل دهاليز الطفولة لتسقط في بطن رصاصة.

طر قرب سماء قريبة، واحلم بما لا يتجاوز طول ردائك، وكن مستقيما مثل مسطرتك التي حصلت عليها في بداية العام الدراسي قبل الماضي، وكن حادا كأنياب الذئب الذي انتهك حلمك ولم يتركه إلا ثملا من نشوة السفك والهتك.

كن وجعا، كلما يذكر الحزن تذكر، وكلما يأكل قلبك رعبا ما تأكله بابتسامة مخترعة، وكن حزينا... كن حزينا.

أتذكر؟ أتذكر ما رأيت من لحظات الفرح؟

رأيت أمك تداعبك، وتمسح باستدارة وجهك طيب المحبة. أهداها إياه والدك لدى عودته من المدينة المنورة، به رائحة الرسول وعليه قسمات أرض طيبة، رأيت وجهك فيه عربيا جميلا.

هل تذكر؟ أتذكر ما نسجه قلب والدتك لك من رداء؟

رداء لف جرحك جيدا، فلم يطر الجرح من جسدك إلا بنظرة ثاقبة!

هل كنت تعلم أيها الشهيد، أن خيوط ردائك ممتدة من كفن الحسين؟

لو كنت تعلم... لو كنت تعلم!

لك عش يضاهي جمال الكون فتنة، كلما انتشرت فيه تسربت من زوايا ريشك العطر حروف اللغة العربية، ابتسم في ريشك كل شاعر، وخرج من جرحك ألف طائر، وحلقت في رحابة المعنى حتى اخترق حبك الحجب ومال في روح الزمن وتخلد!

- تنظر في عيني؟

- اسأل عن عشي!

- تبكي؟

- "...".

رأيت في عينيك وشم حمامة مكسورة فبكيت!

أشتد في وجعي وجعك،

خفت...

جاء طيرك وفي جناحه بقعة توت.

لو تعلم أيها الصغير، بأنك تطير... لاحتفظت بي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً