العدد 1089 - الإثنين 29 أغسطس 2005م الموافق 24 رجب 1426هـ

أسماء غابت وأخرى حضرت في المشهد الثقافي البحريني

الخيري والمعاودة والجشي على رأسهم

الحياة الثقافية والابداعية في البحرين حياة ملؤها الحيوية والنشاط، لطالما لمعت في سمائها أسماء كبيرة حظي بعضها بالاهتمام وبقيت أسماء أخرى في طي النسيان. هل يقع اللوم هنا على تلك الأسماء نفسها عندما لم تعط اهتماما كبيرا لمواهبها فانشغلت بـأشياء أخرى على حساب حضورها أم أن اللوم يقع على الباحثين والدارسين الذين أهملوا عن عمد أو سهو منهم الاهتمام بتلك الأسماء؟

سواء كان اللوم يقع على هؤلاء أو هؤلاء فان النتيجة هي بقاء هذه الأسماء في طي النسيان أو في الجهة الأخرى التي لم يغمرها النور.

في هذا الاستطلاع الذي نأمل أن يكون خطوة الى استطلاعات أخرى عن أسماء تشكيلية وفنية ومسرحية كانت جديرة بالحضور، نسلط الضوء هنا على بعض الأسماء الفكرية والثقافية التي آن الأوان لدخولها منطقة الكشف.

الشاعر ورئيس أمناء الملتقى الثقافي الأهلي علي عبدالله خليفة بدأ حديثه بالاشارة الى الثقافة الوطنية والى أن غيابها هو علة غياب الكثير من الأسماء الفكرية والثقافية وأضاف: "الواقع أن هناك الكثير من الأسماء الجديرة بالظهور. ولكن أتصور أن غياب تلك الأسماء راجع الى أن الثقافة الوطنية في البحرين هي ثقافة غير محددة المعالم، وغير مدونة فهي بحاجة الى من يحرث الأرض لها ويقدمها ضمن سياقات معينة. اذا، نحن بحاجة الى من ينقب في هذا الميدان ومن يتناول الثقافة الوطنية بشكل محدد، فهذا الميدان بحاجة الى من يبحث في جذوره.

والحقيقة أن هناك أمثلة كثيرة سواء في مجال الفكر أو في المجالات الأخرى. مثال بسيط لو أخذنا التراث الشعبي كمكون فلن نجد هناك مادة كبيرة محققة ومدونة ومحتفظا بها في مكان ما يمكن الرجوع اليه وانما هناك جهود فردية. مثال آخر لو أخذنا المسرح البحريني فنحن لا نعرف حتى الآن بواكير الأعمال المسرحية في البحرين، ولا نعرف تفاصيل الشخصيات البارزة في المسرح. فنحن بحاجة ماسة الى القاء مزيد من الضوء وفي عمل جماعي وليس بجهود فردية من أجل التوثيق الى ثقافتنا الوطنية. وأود الاشارة هنا الى أن هذا الموضوع سيتناوله عميد كلية الآداب بجامعة البحرين ابراهيم عبدالله غلوم في محاضرة له بعنوان "ثقافة البحرين للوطنية" في الملتقى الثقافي الأهلي في 6 ديسمبر / كانون الأول".

ناصر الخيري

والناقد ومدير تحرير مجلة "أوان" نادر كاظم أشار الى أحد الأسماء الكبيرة المغيبة وهو ناصر الخيري وتساءل عن سبب غيابه حتى يوم الناس هذا مع أن الكثير من الأفكار التي طرحها في وقته تتداول اليوم بأشكال مختلفة. وأوضح كاظم: "مع بدايات القرن العشرين كان هناك كاتب مهم في البحرين وكان أحد رواد التنوير والتحديث في مجال الفكر والتجديد الديني وهو ناصر الخيري. اذ كان من المتعلمين الأوائل وألف كتابا في العشرينات من القرن الماضي يسمى "قلائد النحرين في تاريخ البحرين" وقد صدر كتابه عن طريق احدى مؤسسات النشر ولكن بخط المؤلف، والملاحظ على ذلك الكتاب هو أن محققه لم يبذل فيه من الجهد الكثير مع أنه يستحق أن يطبع بطباعة حديثة وراقية.

ان كتاب ناصر الخيري هو كتاب مهم اذ إن الأفكار التي تتداول اليوم كان قد تناولها كتاب الخيري بأطروحات وبمصطلحات مختلفة. وكان لدى الخيري القدرة على النقاش وكانت تجمعه الكثير من الصداقات مع المثقفين من خارج البحرين، وقد قام بنفسه بالكثير من الحفريات في تاريخ البحرين وكانت لديه احصاءات عن البحرين ومناطقها وعدد القاطنين فيها بحيث إنه كان يشكل مرجعا مهما.

ولكن المشكلة أن الخيري كان كاتبا أسود في ظل مجتمع كان ينظر الى السود نظرة دونية، ولكن اليوم لا أجد مبررا لغيابه ومن هنا أجد من المهم اليوم المسارعة الى اعادة قراءته واعادة طبع كتابه طباعة حديثة واتخاذ كتابه مقياسا لحجم التحول خلال قرن كامل".

المعاودة... الموسوي والجشي

في حين ذكر الشاعر ورئيس أسرة الأدباء والكتاب ابراهيم بوهندي جملة من الأسماء وتساءل عن سبب غيابها مع أنها أعطت الكثير. ومن الأسماء التي ذكرها: "الشاعر عبدالرحمن المعاودة فهو شاعر كبير وله كتابات في المسرح الشعري ويعتبر واحدا من الأسماء الكبيرة الفاعلة في الحركة الثقافية في البحرين ومن المهم أن تسلط الأضواء عليه أسوة بزميله الشاعر ابراهيم العريض، وهناك أيضا حسن الجشي، فالى جانب الحقل السياسي الذي عرف فيه كان مربيا فاضلا ومتذوقا للأدب والشعر وكان يدفع باتجاه النهضة الأدبية ومع ذلك لم يسلط الضوء على كتاباته الشعرية، وأذكر هنا أيضا الشاعر رضي الموسوي الذي كان مربيا ومدير مدرسة وكان شاعرا متمكنا من القصيدة الكلاسيكية.

ولكني أتصور أن سبب غياب هؤلاء عن الظهور راجع الى انشغالهم بقضايا أخرى على حساب الشعر كذلك اقتصار تجاربهم على القصيدة الكلاسيكية واخلاصهم لها على عكس غيرهم الذين كتبوا القصيدة الكلاسيكية الى جانب الكتابات التي تأثرت بالرومانسية كالشاعر ابراهيم العريض مثلا.

ولكنهم كانوا مؤثرين في المحيط الذي وجدوا فيه ومن المهم أن يلتفت النقاد والباحثون ويعيدوا قراءة تجاربهم".

يوسف حسن

بينما تحدث الشاعر وعضو أسرة الأدباء والكتاب كريم رضي عن أدب الطف ثم أشار الى تجربة الشاعر يوسف حسن في ديوانه من أغاني القرية وأردف موضحا: "تاريخيا أعتقد أن كتاب الشعر الديني "أدب الطف" خصوصا قديمه وحديثه عموما لم يحظوا بالاهتمام من دوائر الثقافة المعاصرة سواء الرسمية أو غيرها، والحقيقة إن في هذا الشعر ابداعات كبيرة وجميلة وذات قيمة فنية عالية إضافة لقيمتها الاستقبالية التي لا تضاهى بأي نص حداثي.

طبعا لا أجادل هنا بشأن الموقف من شعر المناسبة أو شعر الرثاء أو القريض، أقول أن هذه القصائد وكتابها هم جزء من ثقافة هذا المجتمع وعلينا سواء رضينا أم لم نرض أن نتعامل مع هذه الحقيقة خصوصا في عصر ما يدعى بالتحول إلى ثقافة الهامش وإضاءتها وفتح المجال أمامها لتظهر.

أنا مثلا أذكر هنا كتاب "رياض المدح والرثاء" الذي جمعه الشيخ حسين البلادي نجل صاحب أنوار البدرين والذي يضم مئات القصائد لعشرات الشعراء الذين لا شك اطلاقا في شعريتهم ولا مبرر واحدا مقنعا لتجاهل مثل هذا الكتاب واعتباره وأشباهه من سقط المتاع في الأدب إلا لأنه كتاب في الشعر الديني أو الولائي!

أما بالنسبة إلى الثقافة المعاصرة فأعتفد أن هناك كتابا مغمورين بسبب من طغيان شخصية مجايلين لهم عليهم بحيث همشتهم، فالشاعر عبدالرحمن المعاودة الذي همش في نظري، لا يقل أهمية عن الشاعر ابراهيم العريض خصوصا وأن المعاودة يذكر له شعره الوطني المناهض لوجود الاستعمار والذي عانى الكثير بسببه.

وفي المرحلة الطليعية للحداثة أعتقد أن شاعرا رائعا مثل يوسف حسن "أبو وديع" قد أغمط حقه في الظهور لأسباب تعود له شخصيا بسبب تعاليه عن المزاحمة والمنافسة حين جاء من القرية محملا برومانسية الريفي الطريد إلى المدينة التي كانت تحتفي بشخصيات متأدلجة وواثقة من نفسها في وقت كان يوسف حسن يعيش الأزمة التي يعيشها كل قروي حداثي بالضرورة حتى اليوم وهي هذا التنازع داخل الشخصية الإنسانية القروية بين قرية يحبها ببراءتها وطبيعتها وأمومتها من جهة ويزدريها بتحجرها وتشددها وقمعها لحرية انطلاقه من جهة أخرى، وهي جدلية لم تحل عند الشعراء المقبلين من القرية حتى هذه اللحظة. ومع ذلك امتلك يوسف حسن في" أغاني القرية" أن يمتدح القرية بجمالها ومثاليتها وأن يدين استغلالها لعرق الفلاحين في قصيدة واحدة ، وهو توازن صعب آنذاك فشل فيه شاعر قروي آخر هو الشهيد سعيد العويناتي الذي وقع تماما في أسر القرية. علينا أن نضع في الاعتبار هنا أن ثقافة الحداثة الثورية آنذاك كانت أحيانا غير متسامحة بازاء الثقافة الريفية التي نظر لها كثقافة رجعية عموما دون تمييز، سيدفع هذا التطرف شاعرا بسيطا وبريئا مثل يوسف حسن للصمت طويلا.

يحلو لي أن أشبه اشكال يوسف حسن في المشهد الشعري البحريني باشكالية السياب في المشهد الشعري العراقي حين فضل الحزبيون والمتأدلجون البياتي على السياب الذي على رغم يساريته ظل قرويا ميلودراميا وفيا للقرية وطقوسها بينما كان البياتي عارفا من أين تؤكل كتف الشعر فبرز كمنظر ايديولوجي للأدب الثوري وهو ما لاقى هوى لدى مثقفي مرحلة المد اليساري





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً