العدد 2435 - الأربعاء 06 مايو 2009م الموافق 11 جمادى الأولى 1430هـ

يسرد عذابات النهار وبقايا صور الطفولة القاص أحمد المؤذن: نعم أنا للبيع

دخل فضاء الشبكة وكتب ...

( من يشتريني؟ نعم أنا للبيع - أمامكم إعلان للجميع - أفراد ومؤسسات وشركات وعلماء استنساخ ولصوص المافيا وكل راقصات ومرتشي وأوغاد هذا العالم - أنا لكم، أنا للبيع وهذه مواصفاتي: قامة طويلة وشعر أسود مثل حظي وعيون حزينة لكنها ستة على ستة حسب تقرير طبي معتمد.

متزوج لكن لا يهم، فرجلكم المعروض عقلية رياضية فذة ويجيد اللغة الإنجليزية قراءة وتحدثا وكتابة. لا يفوتنا التأكيد على مواصفات استثنائية ... العمر ستة وعشرون عاما و...

ملحوظة: يقدم هذا العرض بإرادة واعية وأنا بكامل قواي العقلية... إنما لكم، أي شيء وكل شيء ومستعدون لإجراءات البيع المعفية من المساءلة القانونية والبيع بالدولار الأمريكي فقط .. بضاعتكم لا تقدر بثمن والعرض لفترة محدودة - سارعو للحجز» من قصة رجل للبيع .

هكذا دشن القاص أحمد المؤذن مجموعته القصصية الثالثة «رجل للبيع» في أمسية سردية نقدية بالملتقى الأهلي الثقافي حيث قرأ حزمة من قصص المجموعة ثم أعقبه حبيب حيدر بقراءة نقدية حيث تجَّول في المجموعة وسلط الضوء على البنية المكانية والزمانية في المجموعة لصناعة خلفية الحكاية، متوقفا عند أهم ثيماتها وهي «الشمس الحارقة» ثم رصد نبرة السرد الاستذكارية لبقايا صور الطفولة، وتأزم بعض الشخوص واتخاذها مدخلا للحكاية عند المؤذن في صناعة القصة القصيرة.

في البداية تحدث حبيب حيدر عن العنوان وما وراعَه مشيرا إلى أن المؤذن استخدم عبارة «رجل للبيع» عنوانا للمجموعة حيث كانت عنوانا لإحدى القصص خارجا بها من الصيغة الإخبارية إلى صيغة استنكارية وتنديدية بالواقع حيت تنقطع ببطل القصة كل السبل ولا يستطيع تسديد الفاتورة ولا ديونه ولا يجد حلا سوى هذه الفكرة الجنونية في أن يعلن عن نفسه للبيع على فضاء الإنترنت، ولعل ما وراء العنوان هو إدانة للواقع المعولم الذي تُدهس فيه إنسانية الإنسان، ويتسلّع فيه كل شيء فلم يجد بطلنا سوى الإعلان عن بيع نفسه في خاتمة القصة وخصوصا ونحن في عصر تسليع القيم وبيعها.


البنية المكانية الداخل والخارج

وعن البنية المكانية في مجموعة المؤذن «رجل للبيع» أشار حيدر إلى أن المتتبع للمكان يلاحظ دائما أن السرد يتنقل بالحكايات من البيت إلى الشارع والعكس تماما كما كان الراوي يتنقل من الذات إلى الخارج في سرده وأنه بهذه النقلات إنما يرسم خريطة المكان في القرية وأحيائها وزقاقاتها حيث هو السارد في البيت بجانب صندوق ما، أو في البيت من وراء فتحة القفل، أو خارج البيت في الشارع، أوفي « خرابة خدوج»، أو في السوق، أو دكان الهندي مشكور، أو قرب المدرسة، حيث يرسم المؤذن برجليه خريطة المكان في القرية، ويتخذها فضاء يعبر فيه عن خيباته المتكررة وآماله الموؤدة وبطولاته المزعومة.

ولعل المؤذن بهذه التفاصيل المكانية قد أعاد رسم المخيلة المكانية الواقعية للطفل في القرية بشكل عام حيث تتشابه هذه الأماكن التي طرقها المؤذن في حكاياته في أي قرية من قرى البحرين، ففي كل حي ستلقى دكانا يقصده الأطفال عادة لشراء الحلويات والإيسكريم وغيره، ويكون محلا للحكايات، ، ولعل الكثير يحتفظ في ذكرياته القروية بصورة تلك البيوت المهجورة التي تتحول مكانا للحكايات وتنسج فيها المخيلة قصصا كثيرة ربما لتخويف الأطفال من الدخول فيها والعبث بها حيث تكون مواضع للكثير من الشرور وما يخبؤه الهامش.

البنية الزمانية عذابات النهار المحرقة

وأشار حيدر لعنصر الزمان حين يتظافر مع المكان في صنع الخلفية الزمكانية التي يجري فيها الحدث ودائما الزمان عند المؤذن في مجموعته هو الظهر حيث هجير الشمس المحرقة حيث تكاد تكون ثيمة أساسية وقد رصد حيدر في قراءته ولع المؤذن بتوصيف هذا الوقت وشدة تأثره حين التعبير عنه حتى يكاد « وقت الظهيرة أو عذابات النهار» كما يلخصها في إحدى قصصه يكون هو مصدر من مصادر الإلهام لديه إذ يتكرر هذا الزمن الحارق في أغلب الحكايات فهو قريب من تلك الاستعارة النارية التي هي مدخل للتعبير عند كثير من الشعراء، مشيرا إلى أن الشمس في سرد المؤذن هي حرارة شمس الإبداع، أو ما سماه شمس حرقة الذات وليس شمس الحقيقة فقط، والتي لم تكن سوى مدخل للتعبير عن حرقة داخلية.


سيرة ذاتية لبقايا الطفولة

ولفت حيدر إلى أن أغلب القصص في المجموعة تحمل نبرة سيرة ذاتية لطفل كبير الآن وهو المؤذن حيث يسرد حكاياته ربما من بقايا ذكريات الطفولة وما علق بالذهن مشيرا إلى أن الذات الساردة هنا هي معطى يتشكل شيئا فشيئا ونحن نقرأ القصص ونكاد مع نهايتها نتخيل ذلك الطفل ومغامراته حيث ترسله أمه لقضاء حاجياتها في قصة الكيس أو يخرج من البيت باكيا مقهورا في قصة لقيمات الوجع، أو يخرج غير عابئ بتحذيرات أمه كما في قصة خدوج تأكل الأطفال، بما يلخص حكايات أطفال الناس البسطاء والمطحونين الفقراء الذي يشاركون أسرهم نصيبهم من الهم اليومي في القرية.


شخصيات مأزومة وأحلام يقظة

وقد اعتمد المؤذن في بعض محطات هذه المجموعة على نبرة خاصة من السرد أحيانا بأصوات شخصيات مأزومة، كما في قصة « أعري نفسي» وقصة «رجل للبيع» إذ تحاول هذه الشخوص أن تتخلص من واقعها القاسي عبر اللجوء مرة لأحلام اليقظة، ومرة لأحلام اللاشعور، وأحيانا تقفز عن كل ذلك إلى صيغ فنتازية مباشرة من غير تبرير سوى محاولة اعتماد عنصر الصدمة في الوصف الذي يفاجئ القارئ في ميله لعوالم أخرى يطرقها المؤذن ليهرب بشخوصه من واقعها إلى واقع آخر، علَّه يقول عبرها ما يريده هو أو ما تريده تلك الشخوص في معالجتها لمصائرها وخواتيمها في الحكايات التي أوقعها فيها المؤذن عامدا أو غير عامد.

والجدير بالذكر أن المجموعة صدرت عن دار نينوى للنشر والتوزيع، سورية، دمشق، في 72 صفحة من القطع المتوسط وقد احتوت المجموعة على 15 قصة قصيرة هي «حيث أعري نفسي، ورطب، ورائحة غريبة، والكيس لا يزال في يدي، وأدخل الجنة، وخدّوج تأكل الأطفال، ولقيمات الوجع، وفضول، ومحطات تعبك، وورطة، ورجل للبيع، واليوم كالأمس، ورماد الحزن كان، وانتظار، وحزنها يتفاقم» والجدير بالذكر أن هذه المجموعة قد فازت بجائزة الصدى للمبدعين في دورتها الرابعة، والتي تنظمها مجلة دبي الثقافية.

العدد 2435 - الأربعاء 06 مايو 2009م الموافق 11 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً