العدد 3343 - الثلثاء 01 نوفمبر 2011م الموافق 05 ذي الحجة 1432هـ

سلطنة عُمان... سياسات هادئة ترتكز على مبدأ «التقدم والمبادرة»

بعد افتتاح السلطان قابوس لفترة مجلس عُمان الخامسة

في أول تجربة دستورية تمارس في سلطنة عُمان، بعد التعديلات التي أمر بها جلالة السلطان قابوس بن سعيد على النظام الأساسي للدولة في أكتوبر الماضي، تأتي تجربة مجلس الشورى لتضع الممارسة الدستورية في السلطنة أمام اختبار حقيقي، خصوصًا بعد إيكال مهام تشريعية ورقابية إلى المجلس، بحقه استجواب الوزراء، وإحالة مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة إلى المجلس لإقرارها، أو تعديلها، بالإضافة إلى مشروعات الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتزم الحكومة إبرامها أو الانضمام إليها، لإبداء مرئياته بشأنها.

وقد بدأت أول عملية دستورية عُمانية في مجال الشورى في ( 18 أكتوبر/تشرين الأول 1981)، عندما أصدر السلطان قابوس بن سعيد حزمة من المراسيم حملت الأرقام 84 و85 و86 بإنشاء المجلس الاستشاري للدولة واختيار أعضائه ونظامه الداخلي، مدته سنتين، ويختص بإبداء الرأي في القوانين الاقتصادية والاجتماعية النافذة في السلطنة، وكذلك إبداء الرأي فيما تعرضه عليه الحكومة من سياسة عامة، واقتراح ما يرى المجلس اتخاذه من خطوات وإجراءات حكومية في المجالات الإنمائية التي لم يسبق للحكومة معالجتها، وغيرها من الاختصاصات المماثلة.

لكن تلك التجربة تطوَّرت بعد عقد من تدشينها، بإنشاء مجلس الشورى كبديل دستوري عن المجلس الاستشاري للدولة، يتم انتخاب أعضاؤه بالاقتراع السري المباشر إذ كان يوم الحادي والعشرين من ديسمبر 1991م بداية أول فترة لعمله بافتتاحه رسميًا من قِبَل السلطان. وقد كانت هذه التجربة، إيذانٌ بدخول السلطنة مرحلة جديدة من العمل المؤسسي والديمقراطي.

ثم تطورت تلك التجربة بعد التاسع عشر من أكتوبر المنصرف بصدور المرسوم السلطاني رقم 99/2011 والذي منح مجلس الشورى صلاحيات موسَّعة في المجالات التشريعية والرقابية. وربما أهمية تلك التعديلات تأتي في ظل مراسيم سلطانية جاوزت الـ 25 مرسومًا صدرت قبل شهور في بحر 24 يوماً فقط وتعلقت بنواحي دستورية ورقابية وتشكيل تنفيذي جديد مُطعَّم بعدد من الأعضاء الشوريين المنتخبين انتخاباً مباشرًا، وهو ما شكل تجربة ملفتة، ليس في عُمان فقط، وإنما في منطقة الخليج العربي أيضًا.

كما زاد من أهمية تلك التعديلات، والفترة الخامسة للشورى والتي افتتحت قبل أيام هو ما أقرته تلك التعديلات بتولي الإشراف على انتخابات مجلس الشورى والفصل في الطعون الانتخابية، لجنة عليا تتمتع بالاستقلال والحيدة برئاسة أحد نواب رئيس المحكمة العليا، وهو ما شكَّل بُعدًا آخر من أبعاد التطور الديمقراطي في السلطنة.

كذلك، أضافت التعديلات على مجلس الشورى أهمية أخرى وجوهرية، بإشراك رئيسه، بالإضافة إلى مجلس الدفاع ورئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة العليا، وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة، في حال لم تتفق مجلس العائلة في اختيار السلطان. وهي لفتة دستورية، تكتنف في طياتها كثيرًا من الدلالات التي تجعل من مجلس الشورى يُمارس حضورًا جديدًا وعلى مستويات متعددة في الكثير من مفاصل الدولة العُمانية.

يجمع المراقبون، على أن أهم ما يُمايز سلطنة عُمان بعد هذه التجربة، هو ما يُمكن أن يُسمَّى بــ»التقدم، والمبادرة» التي كانت تبدع فيها مسقط في كل مرحلة من مراحلها. فكل مراقب للسلطنة، يلحظ أنها وخلال معالجتها لظروفها الاجتماعية والسياسية، تمكَّنت من استيعاب تلك الظروف، وفي وقت زمني قياسي، كسبت من خلاله المعالجة الحصيفة والمشروع الناجز في آن واحد. وربما كانت السلطنة هي الأولى التي تتلازم فيها ممارساتها على مستوى السياسات الخارجية، والداخلية من حيث الهدوء، وانتهاج الحوار والاعتدال والكسب بأقل الخسائر.

كذلك، يلحظ جميع المراقبين، على أن الدولة العُمانية اتبعت سياسة التحديث والتمدين، دون المساس بمكانيزمات المجتمع العُماني المتوارثة والمواكبة لحراكه اليومي، بل إنها أخذت بمنهج تلازم المسارات بطريقة لا تخلوا من حنكة وقدرة سياسية فائقة، كان رائدها جلالة السلطان قابوس، دون الانزلاق في مطبات وإخفاقات سياسية واجتماعية، كلفت دولاً عدة خاسر موجعة، وشروخ اجتماعية غائرة، وهو ما تفادته السلطنة بطريقة ملفتة، جعلت من القريب والبعيد يشهد لها بذلك.

وربما كانت التجربة الأخيرة فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية، وقبلها التغيير الوزاري الواسع، وتوفير 75 ألف وظيفة عمل منذ يناير الماضي، وغيرها من التغييرات هي إحدى ملامح السياسة العُمانية، التي وفرت لها فرصة تجديد ذاتها وإطارها. وما خطاب جلالة السلطان قابوس بن سعيد قبل أيام خلال افتتاح مجلس الدولة، إلاَّ دليلاً على ذلك، بإشارته إلى ضمان حرية التعبير ومكافحة الفساد، وتوفير فرص العمل، والاهتمام بالنواحي الاقتصادية وبالإنسان العُماني، ونبذ التطرف ومصادرة الرأي، وهي أهم معالم الدول السليمة والمتحضرة

العدد 3343 - الثلثاء 01 نوفمبر 2011م الموافق 05 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:22 ص

      عماني وأفتخر.

      الله يطول في عمر السلطان قابوس الحمدلله ماقصر أدى ووفى أبقاه الله.
      كلنا معك وللوطن.

اقرأ ايضاً