العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ

القتلى كانوا هناك

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أمامه دم يشي بصديق صريع... سدَّد إليه طعنات بجزء مدبَّب من قنينة مكسورة... ذكَّره ذلك بفاتحة الغضب الأول... يوم أن قتل قابيل، هابيل... لحظتها ظن أنه انتصر... لأنه سيتكفل بمواراة سوءة صديقه قبل أن يتدخل الغراب، فيضعه في خانة الحرج! قرر أن يلتهمه! نعم... تلك طريقة مثلى ليكون جوف بطنه قبراًَ لمواراة سوءة صديقه!

تردد كثيراً... لم يألف ذلك من قبل... لم يحدث أن التهم أحدهم!... بل لم يحدث أن اضطر لقتل أحدهم من قبل... عليه أن يضع حداً لهذه السوءة التي ستعمل على فضحه على مرأى من كل الوسائط المعرفية التي لم تتح للقاتل الأول... ولأول القتل!... لابد أن يمهّد لالتهامه بسحب جثته من عراء الشقة التي تكاد تخلو من أثاث إلا من مذياع وتلفاز هرم انتهى عمره الافتراضي!... يسحب الجثة إلى المطبخ... يبدأ في تقطيع الأوصال القابلة للالتهام... شعر بحرج شديد حين بدأ في ذلك، لم يلبث أن تجاوزه... ظل يدندن بلحن أغنية قديمة سمعاها معاً في أحد المقاهي القريبة من شقته... وحين بلغ الرأس ودَّعه بقبلة واستأنف عمله بفصله عن الجسد... احتفظ بالأوصال القابلة للالتهام في أكياس أعدَّها... ثم حشرها في «صندوق الثلج». ركن الرأس وما لا يصلح للالتهام جانباً. لا شك أنه سيهتدي إلى طريقة لمواراتها وبما يليق بتاريخهما معاً!

حين أنهى كل ذلك... عمد إلى إزالة آثار الدم وما تهشم من أشيائه البسيطة في الشقة أثناء العراك الطارئ... وألقى بجسده على الأريكة يشاهد حلقة من برنامج الإعلامية الأميركية «أوبرا»... البرنامج يحاور صديقتين إحداهما على علاقة بزوج صديقتها... ثمة ندم يتطلبه الحضور على الشاشة تبديه إحداهما... ندم سيزول مع الإشارة الأولى لانتهاء البرنامج.

يبحث عن محطة أخرى... «سمير صبري» يتحدث عن الهندسة الوراثية... فيما بنات الهوى من بقاع لا تطلع عليها الشمس إلا قليلاً تستدرج أجسادهن غرائز النظارة... يبحث عن قناة ثالثة «بيكهام» يتحدث بثقة وطمأنينة أنه وقع أوتوغرافاً لأحد منفذي تفجيرات مدريد الأخيرة!

يبصق على الشاشة... يبحث عن قناة رابعة... «تشارلز برونسون» في الجزء الأول من «رغبة الموت» يطارد عدداً من القتلة... تشده المطاردة... يقظ هو في تفاعله مع المشهد... يدخل في حال تقمص مع مشاهد العراك! يرن جرس الشقة... وبكل هدوء يتجه نحوه تراجعاً لتفاعله مع المشهد... لا يريد تفويت جزء منه... يتحسس مقبض الباب فيما عينه على التلفاز... يفتح الباب. يجد الرجل إياه... الرجل الذي أعدَّ العدَّة لمواراة سوءته في جوف بطنه... هاهو أمامه في أبهى حالاته... تنتابه رعدة... يتفصد عرقاً... كأنَّ القتلى الأوائل جميعهم في حضرته... يتحسسه شبراًََ شبراً... هو بلحمه ودمه وأعضائه التي أعدَّها لمواراة لائقة... كل عضو في مكانه... لم يملك لحظتها إلا أن يطلق صرخة أيقظت «الغربان» في أوكارها... كان كابوساً فادحاً... فداحة علاقتهما!!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:52 م

      ما اروعك

      ما اروعك في لحظات تاملك وانفرادك بالعالم كنت دائما القلب الذي حوى العالم بكل متناقضاته\\\\\\\\r\\\\\\\\nاخوك الدكتور

    • زائر 3 | 1:52 م

      ما اروعك

      ما اروعك في لحظات تاملك وانفرادك بالعالم كنت دائما القلب الذي حوى العالم بكل متناقضاته\\\\\\\\r\\\\\\\\nاخوك الدكتور

    • زائر 2 | 9:51 ص

      ما اروع قلمك

      ما اجملك استاذ
      كن هكذا دائما
      عاشقة المطر

    • زائر 1 | 8:50 ص

      المبدع جعفر الجمري

      أقدر لك هذا القلم الذهبي الذي حوله الكبريت الأحمر المتمثل بقلبك على ما هو عليه و استمر فإنني من المتابعين لك بشغف

اقرأ ايضاً