العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ

حديث الوجوه

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

وجوه الأطفال تشع منها البراءة والعفوية، بينما وجوه الكهول يعتريها الضعف والوهن، وبين تلك الوجوه والوجوه تتعدد الملامح والألوان، والتي بالكاد نعرفها ونتلمس ما تخفيه من مشاعر واتجاهات، تعابير الوجوه هي أول ما تتلقانا، وهي ما ترسم ردة فعلنا، لأن فيها همسات القبول من عدمه، فلنجعل الابتسامة تعلو وجوهنا حتى ولو كانت قلوبنا تقطر دما.

كنت دائما أتساءل: لم جعل الله لأصحاب متلازمة داون دون غيرهم وجوها تحمل تقاطعات متشابهة، أتوقف عندها طويلا، لم هي مفضوحة؟ من أول وهلة يعرف ناظرها من هي، وما هو مستواها العقلي من دون أن يجري عليها أي اختبار، ربما تكون تلك هي الحكمة، في برنامج تلفزيوني أميركي يعنى بالشأن العام طرحت قضية للمناقشة مفادها: هل تؤيد التدخل الجراحي لتغيير وجوه أصحاب متلازمة داون لجعلها تبدو مغايرة عما هي عليه؟ الغالبية من المتخصصين ومعلمي ذوي الاحتياجات الخاصة والإعلاميين رفضوا ذلك وعللوا موقفهم بأن وجوه متلازمة داون علامة على تدني قدرتهم العقلية، وأنهم غير مسئولين عن تصرفاتهم إضافة إلى ان وجوهم تشير إلى أنهم بحاجة إلى المساعدة والاهتمام، وفي هذا الصدد تذكر إحدى المعلمات اللواتي اجريت معهن المقابلة أن إحدى طالباتها كان أهلها قد أودعوها في مدرسة لا تناسب وضعها العقلي فخرجت من الفصل إلى الشارع العام، فلمحتها إحدى السيدات وعرفتها من ملامح وجهها، فأرجعتها إلى إدارة المدرسة، وتعلق المعلمة بقولها «تساءلت حينها لو كان وجها مغايرا لما أرجعتها تلك السيدة لمدرستنا، وتاهت في الزحام من دون ان يعيرها احد أي اهتمام». ونزيد انه ربما أوعز إليها من تلاقيه ما لا تستطيع إدراكه ولا تقدر على تحمل مسئوليته، فتخضع للعقاب والعذاب من حيث لا تشعر، فلا هي تستطيع البوح من هي، وما تعانيه، ولا هو مدرك انه يرتكب جرما.

وجوه البقر تتشابه كثيرًا، لكن وجوهنا نحن البشر مختلفة فالوجوه تختلف باختلاف البيئة والمنطقة فسكان المدن يختلفون عن سكان الصحراء، والوجه الشرقي يختلف عن الوجه الأوروبي والآسيوي لكن وجوهنا لا تخرج عن إطار الوجوه الرفيعة والمستديرة والمثلثة والبيضاوية وكل منها له مميزات وفقا لما يشير أهل الفراسة فمثلا أصحاب الوجوه الرفيعة ذات الخدين الغائرين والعينين الحادتين يتميزون بالحس القيادي والمثالية لكن غالبا ما يشعرون بالإحباط إذا عاكستهم الأمور، بينما أصحاب الوجه القمري ناجحون في الأعمال التي تحتاج إلى إقناع كالتجارة، إلا أنهم غالبا ما يشعرون بالملل بسرعة. هذه الوجوه طبيعية ولكن لم تصدمنا الوجوه المشوهة؟ ولم تبدو لنا مزعجة، وفي بعض الأحيان تخيفنا؟ الطبيب الجراح ايان هاتشيسون يعرف بجراح الوجوه أبى إلا ان يعيش مع عالم الوجوه المشوهة بشدة لكي يساعدهم على تحسين حياتهم بتغيير صورهم وكان دائما يقول «نعمل بدفع طرق لتحسين التقنيات الجراحية من اجل ان يحتفلوا بإنسانيتهم»، وكما ينفر الناس من الوجوه المكفهرة تأسرهم الوجوه النضرة الجميلة، «فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ» (يوسف: 32) هذا هو خطاب زِليخة لنسوة قومهما، فوجه يوسف (ع) كان كفيلا بأن تقطع تلك النسوة أصابعهن من أجله من دون شعور، فأي وجه تحمله أيه الصديق؟

للوجوه أحاديث، ولكن هل الوجوه تحكي كل ما فيها؟ وهل توحي بكل ما تكنه من مشاعر الفرح والحزن والألم؟ وهل تظهر آثار نياتنا وأفكارنا على وجوهنا؟ وهل نعرف الوجوه المنعمة من الوجوه الكالحة الفقيرة؟ كلها أسئلة تحتاج إلى إجابات تساعدنا على كيفية قراءة وجوه الآخرين وما تحويه، من اجل ان تقينا ما نخاف ونخشى من تقلبات الزمان وتغيرات الحوادث، ربما لا نحتاج إلى ذلك ولا تضرنا المعرفة من عدمها إذا حافظنا على نضارة وجوهنا من علامات النفور والعبوس وقابلنا الآخرين بابتسامة تنم عن طيبة قلوبنا... إنها دعوة بجعل وجوهنا تحمل سلامة قلوبنا لأننا نخشى من «يوم تبيض وجوه وتسود وجوه» (آل عمران: 106)

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:16 ص

      في المرحلة المقبلة... الكثير سيحتاج لاجراء عمليات تجميل للوجه

      نعم... بعد ان تكشفت الوجوه على حقيقتها وزالت الاقنعة عنها....سيحتاج المنافقون والمفترين والواشين والمخونون و و و وغيرهم الى اجراء عمليات جراحية للوجه لتغطيته عما فعلوه ولا تنعكس حقيقة خبث قلوبهم على وجوههم ....

      اما في ذلك اليوم العظيم يوم الحساب فلا مفر من الوجوه ستفضح فهو يوم الحسم ((يوم تبيض وجوه وتسود وجوه))

      شكراً يااستاذتي الفاضلة على مقالك الرائع كما اعتدنا عليكِ وعلى كتاب الوسط...

    • زائر 1 | 12:06 ص

      ايه يبنيتي

      يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ذاك اليوم الفصل يبنتي يوم ينادي المنادي الا لعنه الله على الظالمين في ذلك اليوم لا ينفع مال ولا بنون ولا مليارات ولاخدم ولا حشم ولا شهاد زور والكل صحيفته بيده واعضاءه هي الشهود عليه وما فيه واسطه يبنيتي وما لا كفيل ولا كفاله وجوه يوم اذ مسفره ضاحكه مستبشره والعكس ما اغنى عني ماليا هلك عني سلطانيا هكذا يبنتي بكون الحال فهل من متعظ

اقرأ ايضاً