ظننا، آمنا، أردنا تصديق أننا خرجنا من هناك. لقد خرجنا من هناك وتركنا الأسوأ وراء ظهورنا. وفي عيون أنفسنا رأينا «إسرائيل» تنطوي مرة أخرى داخل حدودها، خطوة وراء خطوة. وهي في ذلك أقوى من السابق، واثقة بنفسها أكثر مما مضى، مزدهرة ومرغوباً فيها أكثر من أي وقت آخر. ونظرنا إلى الوراء من دون حزن، وكان تكفينا السنوات الستون من الحروب، الكبيرة منها والصغيرة. لقد ظننا أن بوسعنا هذه المرة حقا أن نعلق على الباب يافطة تقول: الحرب انتهت.
الحرب الأخيرة انتهت. لقد نسينا أن في المحيط الذي نعيش فيه، تعتبر تسمية «الحرب الأخيرة» تسمية مؤقتة: الأخيرة انتهت والتالية لها تبدأ. وها هي مرة أخرى في انتظارنا، كما تنبأ قبل أربعين سنة المؤلف المسرحي حانوخ ليفين، في غرفة الولادة. هكذا تنبأ في غرفة الولادة. لقد انتهت الأوهام. والماضي يعود. ونحن نستيقظ ونجد أنفسنا داخل فيلم حربي قديم، يتم بثه من جديد. وجميعنا يعرف ويتذكر خاتمة هذا الفيلم. ومع ذلك فإن هذا ليس فيلماً، إنه الواقع. قتلى، جرحى. والحرب التي لم تشبع أبدا عادت إلينا في هذا المكان ثانية.
كم مرة في حياة دولة «إسرائيل» قصفنا مطار بيروت؟ مطار الدهينية؟ «أهداف البنى التحتية» في لبنان وغزة؟ مئات؟ آلاف؟ مرات لا حصر لها خرجت طائراتنا لتلقين حكومة لبنان درسا كي «تتحمل مسئولياتها» و«تسيطر على جنوب لبنان» و«تجريد سلاح» حركة فتح في السبعينات وحزب الله في التسعينات. وهي لم تفعل ذلك، لا في الماضي ولا اليوم.
ومرات لا حصر لها اجتازت جنازير دباباتنا قطاع غزة وقطعت أوصاله بشكل أو بآخر، من أجل أن يعاني السكان إلى أن يتقيأوا من داخلهم الإرهابيين ويحرقو مخابئهم. إنهم لم يفعلوا ذلك لا في الماضي ولا في الحاضر. ومرات لا عد لها ولا حصر أعطى قادتنا الأوامر للعمل الانتقامي الكبير والساحق، عمل لم يسبق له مثيل، يهز الأرض تحت أقدامهم، ويجعل العدو يزحف على أربع، مضروباً ومهاناً، يرجونا السلام بشروطنا ووفق إرادتنا فقط. ولكن هذا العدو لم يأت منذ ذلك الحين، وهو لن يأتي الآن. كما أن السلام لم يأت، على رغم أننا كنا قريبين منه مرات كثيرة جدا. كان على مرمى حجر منا. وعاد وأفلت من بين أيدينا، تاركاً خلفه الخراب، والآمال المتبددة. يأس. واليأس هذه المرة أعظم.
وفي شارعي، بل في شوارعنا جميعا يتساءلون: أين شارون؟ أين شارون عندما نحتاجه؟ لقد كره شارون كل ما هو روتيني، كل ما هو بديهي، كل ما هو غريزي، كل الاستجابة الشرطية. لقد كره كل ردود الفعل الجاهزة. ومثل بن غوريون، بيغن ورابين من قبله، حطم شارون المسلمات وكسر الأرجل. لقد بحث واخترع حلولا لم نفكر فيها قبل ذلك. ومن الجائز أنه ما كان ليسلم أصلا بتحويل السلطة الفلسطينية إلى دولة لحماس ومن الجائز أنه كان سيتخطى الحدود ليصل تحديدا إلى تسوية مع «حماس». كما أن من الجائز أنه كان سينزل الجيش في الجنوب اللبناني من أجل أن يدمر ومن الأساس مخازن السلاح لدى حزب الله، ومن الممكن أنه كان سيتكبد عناء السفر إلى سان بطرسبرغ، لحضور قمة الدول الصناعية الكبرى المنعقد هناك في نهاية الأسبوع، ليدق على الطاولة ويطلب تدخل العالم الفوري من أجل تفكيك حزب الله.
ومن ناحية «إسرائيل»، فإن هذه هي قمة الضعفاء: بوش في الدرك الأسفل من شعبيته، بلير تلاحقه فضائح سياسية ومالية، شيراك أطيح به فعلياً من زعامة حزبه. فقط بوتين الروسي يمسك بقوة بمقاليد سلطته. ومن الجائز أن شارون كان سيبحث عن الدعامة لدى بوتين تحديداً. والحقيقة، أننا لا نعرف ماذا كان سيفعل أو كيف كان سيحول دون سقوط «إسرائيل» في هذا الوضع. ولكن عند شارون، كما عند بيغن ورابين من قبله، كل الخيارات تبقى مفتوحة. لم يكن ليحتاج لإثبات صدقيته ولا وجوده في موقع قوة. لقد كان «السيد قوة» و«السيد صدقية».
سيفر بلوتسكر
كاتب إسرائيلي
موقع يديعوت 15 يوليو/ تموز 200
العدد 1418 - الإثنين 24 يوليو 2006م الموافق 27 جمادى الآخرة 1427هـ