العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

مساحة حرة - انتحار... انكسار أم انتصار؟

إبراهيم الشاخوري
إبراهيم الشاخوري

لم تكن طفولة خليل حاوي لتختلف عن طفولة العديد من أطفال لبنان الذين خرجوا من رحم الحرمان والفقر إلى عالم تكسرت فيه كل الأحلام الوردية، فالطفل الذي مرض والده لم تمنحه الدنيا سوى خيار العمل بنّاءً لتتصدّق عليه بما يسدّ رمقه. ولكن خليل الطفل استطاع بذكائه أن يعلّم نفسه العربية والإنجليزية والفرنسية، ثم ليتخرج من الجامعة بامتياز ليحصل بعدها على منحة حصل بها على الدكتوراه من جامعة «كامبردج»، وعاد حاوي وعادت الدنيا لتكون أكثر قساوة على لبنان، فالدكتور والشاعر الذي استطاع أن يضيف على الشعر العربي لمسة تظل حاضرة، خبّأت له الدنيا أقسى ما عندها.

فالرجل الذي عاصر عام النكبة وحرب حزيران وبعدها حرب رمضان، ربما استطاع أن يتحمل احتلال جزء من جنوب لبنان فيما عرف بعملية الليطاني في 1978، لكنه اختار أن ينتحر حين وصل الجيش «الإسرائيلي» حدود بيروت في 1982. وعموماً فإن انتحار خليل حاوي لم يكن عنواناً يتيماً في صحيفة التاريخ العربي، فالعديد من الكتاب والمثقفين وحتى المفكرين العرب انتحروا فعلياً بعد حرب حزيران. ويعتقد البعض أن الفكر الثوري انكسر على صخرة حزيران واستحال حطامه فكراً ذليلاً يدعو لوهم سمّاه «السلام». وحتى البقايا التي استطاعت أن تنجو بجلدها لم تستطع تجاوز منعطف حرب رمضان، ليُصاب الجزء الأكبر منها في مقتل. وعموماً، لو قدّر لحاوي أن يعيش حياة أخرى فإنه ربما سيقرر الموت وهو يرى العديد من المحسوبين على الثقافة العربية وهم ينضمون زرافات لخيار الانكسار.

بماذا يختلف انتحار حاوي عن انتحار محمد البوعزيزي؟ برأيي، لم يختلف المثقف والأديب العربي عن غيره من بسطاء الشعب العربي في ردود أفعاله في دوامة الصراعات، فعلى امتداد الأزمات والنزاعات العربية، سجل المثقف والأديب العربي كل الاحتمالات التي يمكن أن تخطر على البال.

بدءاً بخيار الانتحار كخليل حاوي عشية اجتياح بيروت في مطلع الثمانينات والذي تطرق إليه محمد جابر الأنصاري في كتابه «انتحار المثقفين العرب»، وهو رغم ما قيل فيه من أنه «فعل احتجاج ثقافي وإبداعي كبير» كما عبر بعض المثقفين»، إلا أنه يشكل قمة الهروب من المهانة التي لم يستطع تحملها.

يأتي الخيار الثاني خيار الانكسار، وهو ما يتجلى في الدعوات المتكررة لمهادنة العدو الصهيوني، بل وسعى البعض لزيارة تل أبيب لأكثر من 15 مرة كما فعل علي سالم، صاحب العمل المعروف «مدرسة المشاغبين»، انكسار أوغل فيه حتى قررت تل أبيب منحه دكتوراه فخرية لتميزه! وهو خيار نجد اليوم بين صفوف المثقفين من لا يجد حياءً في المجاهرة به، رغم كل الدم الذي يسفك والأبرياء الذين يموتون. وأمام انكسار الذات ينكسر كل شيء آخر، ويتوالد من تحت عباءة هذا الانكسار فريق كامل كتّاب «الكراهية» والحقد والطائفية.

الخيار الأخير هو خيار الانتصار للأمة والوطنية والعقيدة والقيم، وهو الخيار الذي يجب أن يتعدى كل الزوايا الطائفية والمزايدات الوطنية، خيار دفع الكثير من الأدباء والمثقفين للكتابة بروح من العزة والثبات وهو عينه ما يذكرنا بقصيدة محمد علي شمس الدين في (السيد الجنوب):

يمشي على الموتِ تيّاهاً كأنّ به

من الألوهةِ شيئاً ليس يُخفيهِ

يمشي الهوينا وقتلاهُ تمجّدُهُ

كأنما كلُّ ما يُردْيهِ يُحْييهِ

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً