العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

مساحة حرة - استهلاكيّة الشعر!

مريم مجيد
مريم مجيد

بعد اليوم لا أريد أن أقرأ شعراً بليغاً حدّ الثمالة لدرجة قد يفقد الشّعر فيها معناه، قد يضيع المعنَى منّي وأصل لنهاية مغلقَة قد لا أفهم فيها التفاصيل فلا أشعر بالّلذة التي من المفترض أن يمنحنِي إيّاها الشّعر. بعيداً عن كلّ هذا قد تكون هذه إشارة جيّدة لانتصار الشاعر على قرّائه طالما لم يستطع أحد بلوغه وكانَ في شعره غموض يبقِي القارئ في محطة للتساؤلات، لكن ذلك وفي مرحلة ما قد يكون السبب الأوّل وراء نبذه.

فالشاعر بائع للكلمة وحين يكتب للناس عامّة يجتهد في السعي من أجل أن يكون قريباً إلى قلوبهم وحتّى أقرب من نفسه إليه، يضع في عينِ الاعتبار شيئاً واحداً وهو القرّاء وما مدى ما يصلهم من شعره فيتخلّى حينها عن أحبائه، وأعني هنا بالأحبّاء كلّ تلكَ الجمل البلاغيّة التي قد تختصر في نظر الشاعر جمالَ النّص الشعريّ كلّه، فحين نعود للمبتغى الأول من كتابة الشاعر للشعر يصير قتل الأحبّاء هنا ضرورة ملحّة للحفاظ على صفاء النصّ.

ولو تأملّنا جيّداً في أغلبِ المواضيع التي يختارها الشّعراء ليبنوا منها في النهاية نصّاً متكاملاً نجد جلّها مستهلكاً لدرجة نكون فيها أمام ما يسمّى بروتينيّة الأدب، فلا أريد أن أقرأ بعد اليوم شعراً عن الحبّ، الوطن الضائع، الفقد، الرحيل أو الخذلان، أريد أن ألتقي بشاعر حينَ يضحك يعلم أنّ الفراشَة الصّفراء التي همست في أذنه بشيءٍ جميل حينَ كانَ حزيناً ذات مساء هيَ نفسها الفراشَة الّتي استفزّت مكامن الضّحك في عقله، أو أن يبصر تفاحات بنفسجية متدلية من غصن في سقف الغرفة أو أن يرى بطريقاً ورديّاً يلهو في الباحة الخلفية من منزله لمجرّد أنّه تخيّل ذلك، تماماً كأن يترك فسحة للمستحيل ليأتي ويحدّق الجميع في موته.

نفتقد وفي هذا الوقت التجديد الذي من المفترض أن يصاحبَ كلّ شيء في الحياة ليحافظَ على بهائه وجماله المرجوّ، ففي هذه المرحلة على الشعراء الذي يسعون لتصدّر القوائم الأدبية أن يحاولوا بعبقرية تامة الإتيان بشيء مختلف يكسر بها الاعتيادية والروتينيّة التي تفاقمت لتبتلع جمال كل الأشياء من حولنا، عليهم أن يتمرّدوا على الواقعية وعلى أنفسهم المقيّدة بالماديّ الملموس، أن يجربوا رؤية العالم بعينين مغلقتين، أن يعترفوا للحظة بتواضع شعرهم فلا أحد يصل للسقف يستطيع أن يبقى متشبّثاً به لوقتٍ طويل أو ليأتوا بمدرسة جديدة في الشّعر لم تُحَطّم أرقامها القياسيّة بعد ربما كمدرسة الخيال الحقيقيّ.

وأخيراً قد لا أكون شاعرة، قد لا أكون كتبتُ حتّى هذا اليوم نصاً شعرياً بوزنٍ وقافيَة لكنني أؤمن أنّني قد أكون تلك الّتي تأتي بتلك المدرسة بعيداً عن كلّ شعراء الواقعيّة الذين سيهاجمونني حينَها.

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً