العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

مساحة حرة - ترشيد المفاهيم

المجتمع كما يُعرّفه الباحثون هو مجموعة بشرية تعيش على أرض واحدة لها بُعد تاريخي وإرث ثقافي متنوع، محكوم بعلاقات الحياة العامة، والتفاعل على مستوى الاقتصاد والسياسة والثقافة وغيرها من العلاقات التفاعلية الناتجة عن حاجات ضرورية للمجتمع.

ومن هنا يبرز دور المفاهيم التي تلعب دور العنصر المشترك بين هذه المستويات، الأمر الذي يعكس روح المجتمع، ويظهر وجهه الحضاري. لماذا؟

إِنَّ للمفاهيم دلالات متعددة وتأثيرات مختلفة على حركة نمو المجتمع ورقيّه، وتطور إدراكه ووعيه، وما لها من بصمات واضحة المعالم والدلالة على بنيته المعرفية، وسلوكياته الفكرية المرتبطة بواقعه العملي.

فمفاهيم الحرية والديمقراطية، والكرامة والعدالة، والصدق والأمانة، وغيرها من الأمثلة تدلنا على بعض أنواع تلك المفاهيم التي يتعامل معها المجتمع، ليُطور منها ويُعالج ما احتاج بما يتناسب وتفاعله مع المتغيرات المجتمعية، والحوادث والقضايا الحياتية المتباينة من حيث درجة الوضوح والغموض، والدقة والشمول، والخصائص والصفات التي ترتبط بالمفهوم فيحددها استجابتها وتأثيرها على أرض الواقع والحقيقة.

تعريف المفاهيم

المفاهيم جمعٌ ومفردها مفهوم، وأصلها اللغوي (فَهْم)، عرَّفها ابن منظور في لسانه بقوله: «الفَهْمُ: معرفتك الشيء بالقلب، وفَهِمْتُ الشيء: عَقَلتُه وعرَفْته»، أمّا في الاصطلاح؛ فعُرِّف المفهوم فلسفياً بأنه: «معرفة الشيء على وجهه، ومنه مشكلة الفهم»، وبشكل عام؛ هي مجموعة الأشياء، والحوادث، والعلامات، والرموز التي لها من الصفات والخصائص والحيثيّات الخاصة بها، تجمعها خصائص مشتركة عامة، فهي مُتعدِّدَةٌ في تصنيفها، مُترابطةٌ فيما بينها، مختلفةٌ في تعريفها بحسب ما تقتضيه زاوية الرؤية لهذا المفهوم أو ذاك، والذي تتوقف معرفته على قوة الإدراك، وفاعلية العقل ونشاطه الخلاّق.

خلق المفاهيم وصياغتها

التاريخ، وحركة المجتمعات وتفاعلها مع الأفكار والحوادث هي المسئولة عن عملية خلق المفاهيم وصياغتها، وتشكيل هويتها، وتطويرها، أو إعادة إنتاجها، فعلى سبيل المثال نجد مفهوم «المدينة الفاضلة» الذي أنتجته الحضارة اليونانية، على يد واحد من أعظم فلاسفتها ومفكريها وهو «أفلاطون» منذ القرن الرابع لما قبل الميلاد، وصل إلى الحضارات العالمية، فكتب فيها المعلم الثاني والفيلسوف الإسلامي العظيم «أبو نصر محمد الفارابي»، وتابعه من بعده في ذلك الكثير من الفلاسفة والساسة والمصلحون، الأمر الذي أدى إلى تطور المفهوم، ونموه واتساعه، وإعادة بناء ما استلزم من بنائه.

ترشيد المفاهيم وتصحيحها

ونحن نعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين لابد لنا من عملية ترشيد للمفاهيم التي نتداولها، لا سيّما في ظل هذا الانفجار المعلوماتي - الإعلامي. لماذا؟

لأسباب كثيرة نذكر من أهمها:

- انحراف الوعي والبناء المعرفي للمجتمع: تسود عالمنا موجة من حالة الانحراف على مستوى الوعي والسلوك الذي ينعكس على بناء المجتمع المعرفي والقيمي، كغياب مفاهيم التسامح وروح العدالة الاجتماعية والتعاطي في استحقاقها لطبقات وفئة من المجتمع دون غيرها.

- الإرث التاريخي والثقافي للمجتمعات: هو ذلك الإرث الصامت، الذي يُنمِّي أبناء الزمن الحاضر، ويبني أجيال المستقبل، عبر دوره البنَّاء والفاعل في عملية التنشئة الاجتماعية المتكاملة، من خلال القيم والمُثُلِ، والعادات والتقاليد النابعة من الوسط الأسري والمجتمعي.

- توظيف وسائل الإعلام للمفاهيم: وهو أمرٌ بالغُ الخطورة والأهمية، حيث يجب على هذه الوسائل توظيف المفاهيم الإيجابية الصحيحة التي من شأنها أن تحافظ على كيان المجتمع، وتُعلي من شأنه، وتُسهمُ في رفع رايته، وتحقق أهدافه النبيلة، من خلال نشر الوعي والعلم والفضيلة، وإشاعة روح التسامح وتعزيز قوى الفكر والإبداع لا العكس من ذلك.

إِنَّنا بحاجة ماسَّةٍ إلى ترشيد مفاهيمنا، وإصلاح ما يمكننا إصلاحه وتصحيحه، لخير مجتمعاتنا، وتقدمها ورقيِّها، وتحقيق أهدافنا وطموحاتنا.

أحمد عبدالله

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً