العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

مساحة حرة - التعرية الثقافية

صادق أحمد
صادق أحمد

أن يتعرى الإنسان من ثيابه، أو يُعرّى مرغماً... فهذا يحدث، وإن كان قبوله على مضض. وأن يتعرى الإنسان متجرداً منتقلاً من أفقه الضيق إلى أفق أوسع... فيحدث أيضاً، وهو أمر محبب ومرغوب. وأن يتعرى عن إطاره المحدود واصلاً خارج جماعته المألوفة إلى نطاق شمولي عام، فهذا عين الممكن والمطلوب.

هناك من الأشخاص، من لا ينفك يلازم على الدوام، أبجدياته الخاصة التي يراها وكأنها دستور ومنهاج حياة بالنسبة له، تحمل قداسةً ما بعدها قداسة ولا قبلها يتاح تفكير، فيحمل أفكاره صرة فوق رأسه، تمتطيه رغماً عنه، فيصير أسيرها وعبدها، وتصير له الحَكم الناهي الذي لا مجال لمناقشته ولا لبطلانه.

إذا ما كانت الأفكار جزءاً مهماً من تكوين الثقافة، فإنها وبلا أدنى شك، تسهم في تعميق المسافة بين الفارق الزمني والمكاني والمعرفي طولاً أو قصراً. فهي - الأفكار - تكون رافداً مهمّاً لشخص الفرد سواء أكان ينتمي بهذا الولوج وهذه الفكرة بالمقياس الجمعي الحزبي، أو بالمقياس المستقل المنفرد.

وإن التعرية الثقافية، كثيراً ما نراها حاضرة في ظل تراجع وانعدام كم مهول من القيم الأخلاقية التي يبني عليها الإنسان الجديد المنفتح تطلعاته ورؤاه، بغض النظر عما يكون عليه هذا الإنسان وبعيداً عن كونه بأي دين يدين.

تتجلى هذه التعرية، في مقابل وجود النقيض الذي ينغمس إلى قعر الصفاء، لتعلو وتطفح بذلك كفة الميزان حتى لو كانت في أعماق الماء. إذ تنكشف بذلك ماهية حقيقة الباطن والدواخل، ويتكشـّف نقيض الأخلاق والمبادئ التي يحملها ذلك الإنسان. فيتعرى تماماً أمام هدف الرقي بالإنسان.

وبالإمكان هنا، الإشارة إلى قول المهاتما غاندي المشهور «يوجد سبعة أشياء تدمر الإنسان: السياسة بلا مبادئ، المتعة بلا ضمير، الثروة بلا عمل، المعرفة بلا قيم، التجارة بلا أخلاق، العلم بلا إنسانية والعبادة بلا تضحية».

إذ، وبشيء من التأمل، يمكننا أن نقول، إن السياسي المتواطئ ودائم التراجع في أقواله ومواقفه، والمتناقض الذي يلعب دور وجوه عدة، والسياسي الذي لا يقف عند مبدأ محمود ومقبول بين الجماعة حتى مع كونه مخالفاً لهم ومختلفاً معهم. والسياسي الذي تحكمه سلطة هوى الجماعة دون سلطة هوى أولوياته، وذاك السياسي الذي يزيف الحقائق الثابتة كلما أمكن له ذلك. كل هؤلاء، وهم بهذه الصور، إذا ما انكشف أمرهم، فإنهم يسيرون في ركب «المعرّون» ثقافياً لا محالة.

لا أعتقد، واعتقادي أقرب إلى الجزم، أننا بحاجة إلى مزيد من العراة، بل بحاجة إلى مزيد من القلوب المغلفة بالتعقل، مزيد من البياض بدلاً من سواد الأحقاد..

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً