العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

مساحة حرة - أنا وأخي

أَكبُرُ أخي بسنتين، الأخت الكبرى والأخ الأصغر. هذا كان قبل سنوات مضت، أما اليوم فلا أشعر إلا بأني الطفلة أمامه وهو الرجل، هو الأكبر، هو الذي يملك الأحقية... امممم لا أدري تحت أي منطلق «ثقافي» يندرج ذلك الشعور، لكنه كذلك.

أتذكر سنواتنا الأولى في الروضة أو «الحضانة» أنا وهو. كان صغيراً «جدّا» على دخوله الروضة. هو لايزال يحتاج إلى أمي ولا يعتمد على نفسه في أكبر الأمور وأصغرها!

كم كانت مغامراتنا هناك مضحكة، مبكية، لاسيما أنا وأخي أبطالها، يشاركنا دور البطولة... حسن الشرير، نوف المتكبرة، نور الصغيرة ومجموعة من الفتيات اللاتي كن يغرنّ مني لأن «أحمد براد بيت» كان يحبني ويصرّ على إهدائي التفاح الأخضر الذي - كنت ومازلت - أحبه...

قصص بها كثير من التشويق، البراءة، سرقات مدبرة ومكائد طفولية. حسن كان يحاول جاهداً أن «يقص» شعري على غفلة مني: «(...كان الشر يتطاير من عينيه وهو يهددني بالمقص على بعد أمتار قليلة مني، حجته في ذلك أن شعري الطويل آنذاك «المفلول حسب قوله» يضايقه ويثير سكونه... كان موقفاً معه وندمت بعدها أشدّ الندم، حيث أصابتني لعنته التي فرضت عليّ الذهاب لأحد دجالات الروضة ودفع كل ما أملك من إكسسوارات وردية لتبطل العمل بالنزول لساحة الألعاب والحفر تحت «المرجحانة» وإخراج المقص الذي كان يهددني بمخبئه الذي لا يعرفه «الجني الأزرق»!

كان شعري طويلاً منساباً، ومن سوء حظي لم تكن أمي تلمّه «بشريطة أو شيء» لتحميني من هذا «الحسن»: ومن القضاء والقدر أن جاءت حصة التلوين، ومن سوء القضاء والقدر أن أجلس بجانبه ليتدلى شعري على لوحته فيصرخ في وجهي حتى كنت أرى حنجرته ارتفعت ووصلت «لبلعومه»!

جلستُ مكاني أبكي، لا ردة فعل أخرى «غير معتادة». تنفس الصعداء حسن ووقف، أخذ دفتره ومشى. التفّ حولي جمع من الأطفال ومن بينهم «أحمد ذو الدمعة الساكبة» الذي ما كان منه إلا الجلوس بجانبي والبكاء معي... حتى كأنه هو من تعرض للصراخ بدلاً مني. كان شعره حريرياً - بطريقة مبالغ فيها - هو الآخر، لذا كان من المغضوب عليهم من قبل حسن.

وارتفع البكاء والصراخ والعويل، ليس بكائي وأحمد لوحدنا بل الكل تعاطف معنا، وكأنها كانت دعوة للبكاء وتفريغ شحنات سالبة كانت تسكننا.

وصلت «ماما نجمة» وعلامات استفهامية تعلو جبينها. ما هذا البكاء الجماعي؟ وما هذه الأحضان الجماعية؟ نعم قد تطورت الأمور قليلاً فصار كل واحد منا يحضن الآخر ويبكي... كنت أنا وأخي ولا أعرف أكان من الجيد أن يكون أخي في الثانية من عمره ولا قدرة له على البكاء «تأثراً بدموع الآخرين».

ما هذا الجفاء أخي الصغير؟ لِمَ لا تبكي مع أختك التي أبكت جمع غفير من الأطفال «حتى القاسية قلوبهم تعاطفوا معي»... كانت مشكلتي لِمَ لا يبكي أخي؟

لِمَ لا يبكي بل ينظر في عيني ويضحك «مُظهراً سِنّيه الأماميّين»، لأزداد بكاءً مع ارتفاع ضحكاته وكبرت، وكبرنا... ليصادفني هذا النص عندما كنت أقرأ إحدى المقالات: «الابتسامة المزيفة». أحياناً لشدّة تعاطفنا مع الآخرين بل لشدّة حبنا لهم، نفقد قدرتنا في السيطرة على ردّات فعلنا لشعورنا بالضعف وقلة الحيلة... لشعورنا أن ما يجب أن نقوم به لن يزيدهم إلا حزناً... حزناً لأننا نراهم في أسوأ لحظاتهم وهم يروننا في أسوء لحظاتنا.

فتنتظم تصرفات هي تماماً مضادة لما يجب أن نقوم به في مواقف معينة... هي غالباً ستخوّن مشاعرنا الفعلية. لعله لو كان يبكي لزاد ألمي ألماً ولظننت فعلاً أن «القيامة قد قامت والأصوات تعالت» ولكن تلك الحكة التي فرضت عليه الابتسام، هدأت من روعي «و لو أنه في حينها استغربت ردة فعل كفعله... وهو أخي».

دعونا لا نتسرع في الحكم على من نتيقن من حبهم لنا!

شرف محمد

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً