ما أعظمك يا سيد الشهور! إلهي وفقنا لعرفان حرمة شهرك والتعرض لنفحاتك.. شهر أنزل الله فيه كتابه المجيد، شهر ربيع القرآن، وقد قدم الله قبله شهرين، رجب الأصب وشعبان المعظم، وقد تواترت خطب خاتم الأنبياء والمرسلين (ص) في التمهيد لهذا الشهر الكريم وفضله في ختام شهره شعبان، ومنها:(أيها الناس قد أضلكم شهرٌ عظيم، مبارك، شهرٌ فيه ليلة العمل فيها خيرٌ من ألف شهر.. هو شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار).
ولا يعرف أفضال هذا الشهر ودروسه بتمامها وكمالها إلا من ألهمهم الله الكمال والعصمة. الصيام واجب ومن ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش فهو خاسر ومن ضيع أوقاته في أيامه ولياليه وأسحاره دون التقرب من ربه فقد ضيع حياته.
فمن دروسك العظيمة في كل لحظة منيرة من لحظاتك الأجمل هي خطوة متقدمة في مراقي كمال الإنسان نحو ربه تعالى.
الخطوة الأولى: إيقاظ الوعي من سباته وغفلته ومن كل مظاهر الخوف والجشع والأنانية والغرق في وحل الخطايا الذي لا قاع له.
الخطوة الثانية: التنور بالفهم والتحرر من الوهم الذي إذا تنبهت له على أنه وهم تلاشى. والتسليم الكامل لله سبحانه على كل حال.
الخطوة الثالثة: إن حقيقتك تكمن في ماهيتك حين تعرف حقيقتك فستنسجم معها أفعالك (من عرف نفسه عرف ربه). وإذا أحب الله عبداً بصَرَه بحقيقة نفسه.
الخطوة الرابعة: تطوير الوعي عبر الاستفادة من التجارب والآلام التي نتعرض لها في حياتنا والتركيز كلياً على اللحظة الراهنة فهي القوة الوحيدة التي تمتلكها بين وهمين الحزن على الماضي والخوف من المستقبل.
الخطوة الخامسة: مواجهة المشكلات بروح يقظة واعية مؤمنة مسلِمة صابرة ودحر كل طاقة وعاطفة سلبية عبر رؤية حجمها الحقيقي لحظة نشوئها وتبديدها كلياً والحيلولة دون أن تخلف وراءها مزيداً من الألم والنكد.
الخطوة السادسة: التحرر والانعتاق من مكدرات البال وكتل الألم بعد إدراكنا بوجودها في أعماقنا والحضور الكافي والانتباه الحصيف والفصل بينها وبين ذاتك فحضورك الواعي يزلزل التماهي مع الألم ويبحر بك إلى شاطىء الأمان والسلام الداخلي والتوافق والسكينة.
الخطوة السابعة: معرفة النفس معرفةً حقيقية عبر الحضور الناهض باللحظة الراهنة؛ فإن تمكنت من إزالة الزمن النفسي والذي هو إنشغال العقل اللامحدود بالماضي والمستقبل، تجعلك مستعداً للاتحاد مع الحياة من خلال العيش باتساق مع القوة الوحيدة الموجودة في رصيدك وهي اللحظة الراهنة.
(اللهم اجعل هذا الشهر خير شهر رمضان مرَ علينا منذ أن خلقتنا، اللهم أعنا على أنفسنا بما تعين به الصالحين على أنفسهم).
صالح مهدي حسن سعيد
العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ
