العدد 3683 - السبت 06 أكتوبر 2012م الموافق 20 ذي القعدة 1433هـ

هبوط الريال يهدّد أنشطة التهريب إلى إيران

تندفع قوارب مصنوعة من الألياف الزجاجية كالطلقة متفادية المنحدرات الصخرية في آخر جزء من رحلتها المحفوفة بالمخاطر من إيران إلى المياه الهادئة لساحل شبه جزيرة مسندم العُمانية. ويتولى قيادة هذه القوارب السريعة جيش من المهربين الإيرانيين معظمهم من المراهقين الذين يقطعون مضيق هرمز ذهاباً وإياباً في رحلات مكوكية لتهريب مختلف البضائع إلى موانئ إيران الجنوبية ويتفادون بذلك دفع الجمارك على الواردات. وحتى وقت قريب كانت القوارب الإيرانية وقادتها الشبّان الذين لا يعرفون الخوف ينقلون بضع شحنات يومياً بها كل شيء من المشروبات الخفيفة إلي الهواتف المحمولة ومستحضرات التجميل التي يشترونها من مراكز تجارية مزدهرة في الإمارات العربية المتحدة ويبيعونها للتجار في إيران.

وساهم قرب إيران من الإمارات وعُمان وعلاقاتها التجارية والمالية التاريخية معهما في دعم هذه التجارة المزدهرة التي قوّضت في السنوات الأخيرة وحتى الآن مفعول العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على طهران. ويبدو أن الاقتصاد الإيراني بدأ يتداعى أخيراً تحت ضغط العقوبات التجارية المفروضة على البلاد بسبب أنشطتها النووية وهو ما أدى لركود هذا النشاط المربح. وفقد الريال الإيراني نحو ثلثي قيمته أمام الدولار على مدى العام الماضي؛ ما استنزف القدرة الشرائية لمعظم الإيرانيين. «لا ننقل الكثير الآن» قالها اسماعيل وهو فتى إيراني عمره 17 عاماً بينما كان يرفع صوته ليكون مسموعاً من على متن قاربه ياماها الذي تبلغ قدرة محركه 200 حصان. ويتكلف القارب آلاف الدولارات في علامة واضحة على أن هذا النشاط يستحق مواجهة المخاطر المتمثلة في سوء الأحوال الجوية ومرور ناقلات النفط والدوريات الإيرانية. وأضاف قائلاً: «كنا نقطع المسافة ثلاث مرات في اليوم أما الآن فمرة واحدة فقط» قبل أن يزيد سرعة قاربه ويذهب بحثاً عن مكان يرسو فيه في ميناء خصب بشبه جزيرة مسندم على الطرف الشمالي لسلطنة عُمان. ويحمل القارب صناديق بها مواد التنظيف وأقمشة وملابس تنتظر نقلها إلى جزيرة قشم الإيرانية على بعد 30 ميلاً فقط عبر مضيق هرمز الممر الملاحي الحيوي الذي يمر فيه ثلث صادرات العالم النفطية المحمولة بحراً. لكن تجّاراً طلبوا عدم الكشف عن هويتهم يقولون إن عدد الصناديق أقل كثيرا مما كان ينقل العام الماضي (2011). ويقول صاحب أعمال إنه يتم تسجيل بعض هذه الصادرات على الأقل لدى سلطات الجمارك العمانية لكن ليس كلها. وقال حسين وهو شاب إيراني عمره 21 عاماً كان قادما لتوه من ميناء بندر عباس الإيراني في أقل من ساعتين ضمن قافلة من عدة قوارب «هناك العواصف». وأضاف وهو يقف في منتصف قاربه ويشير باتجاه البحر «وهناك الشرطة الإيرانية. إنهم في غاية القسوة والفساد». ويروي المهرّبون قصصاً عن تقديم رشا وتعرضهم لإطلاق نار واضطرارهم لإلقاء ما لديهم من بضائع في الماء لكن المحنة الاقتصادية المتفاقمة في إيران تهدد الآن بالقضاء تماماً على أنشطتهم المحفوفة بالمخاطر. وتركز المواجهة بين طهران والغرب على مضيق هرمز. ومع تفاقم التوتر بشأن برنامج طهران النووي هذا العام تزايد عدد سفن البحرية الأميركية في المضيق؛ ما استدعى تكثيف وجود السفن الحربية الإيرانية لمتابعة تحركاتها. ولا تستبعد واشنطن تحركاً عسكرياً رداً على أنشطة إيران النووية التي تعتقد أنها جزء من جهود لصنع سلاح نووي وهو ما نفته إيران مراراً. لكن الحياة تزداد صعوبة على الشعب الإيراني. ويقول محللون إن الاقتصاد الإيراني سينكمش هذا العام بعدما نما 2 في المئة العام الماضي ويبلغ التضخم 25 في المئة وقد تتجاوز البطالة 20 في المئة. لكن اقتصاديين يقولون إنهم لا يلحظون نقصاً في السلع الأساسية في البلاد حتى الآن. وفي السوق القديمة بخصب المعروف بالسوق الإيراني تضررت بشكل كبير أنشطة الاستيراد والتصدير التي تعتمد على إعادة التصدير إلى إيران. وقال صاحب أعمال هندي مخضرم طلب عدم نشر اسمه «خسرنا 90 في المئة من أعمالنا». ويعمل التاجر من خصب منذ أكثر من عشر سنوات. وأضاف قائلاً: «هذا أمر مزعج بالنسبة لنا. سعر الريال يتضاءل يوماً بعد يوم ونشارف على الإغلاق». والشركات مثل المملوكة إلى هذا الرجل تعمل بشكل قانوني في عُمان بينما يتولى نقل معظم بضائعه تجّار يقيمون في إيران يملكون القوارب السريعة ويعمل قائدو القوارب لديهم. وقال صاحب الأعمال إنهم يطلبون البضائع بالهاتف وعادة ما يسددون ثمنها من خلال شركات صرافة في دبي. وقبل أن يبدأ التباطؤ الاقتصادي في التأثير بشكل كبير على هذه الأنشطة منذ ستة أشهر تقريباً كانت شركة صاحب الأعمال الهندي تحقق مبيعات بقيمة 130 ألف دولار أسبوعياً إلى السوق الإيرانية معظمها مواد غذائية وأجهزة إلكترونية. وأدى الوضع الحالي إلى اعتماد الشركة على بيع البضائع للمكاتب الحكومية العُمانية القليلة الموجودة في مسندم. وتسارعت وتيرة هبوط الريال في الأسبوع الماضي على رغم محاولات الحكومة لوقف الانخفاض من خلال تأسيس مركز للصرف بهدف توفير الدولارات لمستوردي السلع الأساسية بسعر أقل قليلاً من سعر السوق. وبدلاً من تهدئة المخاوف بشأن توافر الدولار أدى مركز الصرف فيما يبدو إلى مزيد من التدافع على العملة الصعبة؛ ما أدى إلى خسارة الريال أكثر من 30 في المئة من قيمته في الأسبوع الماضي. وقال نادر وهو إيراني عمره 32 عاماً ويقود أحد القوارب من مكتب صاحب الأعمال الهندي في خصب: «رئيسي لا يمكنه بيع البضائع في إيران بهذه الأسعار». «لن آخذ شيئاً من هنا في الوقت الحالي». ويواجه المصدّرون الإيرانيون الكبار الذين يشحنون سفناً كبيرة في دبي بمئات الأطنان من السلع لنقلها إلى قشم أو بندر عباس مشكلة مماثلة. ويقول بحّارة إيرانيون إنهم الآن ينتظرون عشرة أيام لتحميل سفنهم بعدما كانت العملية لا تستغرق يوماً أو اثنين قبل عام. وتظهر إحصاءات رسمية أن أنشطة إعادة التصدير إلى إيران زادت أكثر من 25 في المئة في 2011 لتتجاوز ثمانية مليارات دولار. ولم يتم نشر أي أرقام للعام 2012 لكن ما يقوله تجّار وأصحاب أعمال يشير إلى انخفاض ملموس منذ مطلع العام الجاري يتزامن مع فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات جديدة تستهدف صادرات النفط والبنوك الإيرانية.

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة فقد أعلنت عُمان رسمياً أن إجمالي الصادرات إلى إيران بلغ 521 مليون دولار إجمالاً في 2009. ولا توجد بيانات أحدث لأن الحكومات لا تعلن الاحصاءات بشكل دوري. وأبلغ سكّان في خصب «رويترز» أن الإيرانيين مازالوا يعملون من رصيف في الميناء الرئيسي أغلق بسياج أمني مرتفع منذ نحو عام. وعلى عكس رصيف الصيد في خصب لا يمكن الدخول بدون إذن من السلطات العُمانية. هذا لا يمنع قائدي القوارب الإيرانيين من دخول البلدة بحرية أثناء النهار. لكن لا نية للتلكؤ فعلى رغم تراجع أنشطة التهريب هناك نشاط آخر يقومون به وهو تصريف البضائع. وقال إسماعيل: «انظر إلى خرافي» وهو يشير إلى 30 خروفاً وعنزة على متن قاربه.

العدد 3683 - السبت 06 أكتوبر 2012م الموافق 20 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً