العدد 4153 - الأحد 19 يناير 2014م الموافق 18 ربيع الاول 1435هـ

التنبؤات لا تقدم حلاً

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

مع بداية كل عام جديد ينشغل الناس في منطقتنا بمختلف أشكال التوقعات والتنبؤات المنسوبة فلكياً على الصعيد الشخصي والاجتماعي والسياسي، وتتحوّل وسائل الاتصال المختلفة المرئية والمسموعة إلى قنوات تتنافس في تقديم مزيدٍ من مثل هذه التنبؤات بصورةٍ لم أجد لها مثيلاً في أي منطقة أخرى في العالم.

كلنا يعرف ويعلم أن هذه التنبؤات ما هي إلا تخرصات وتصورات ليست علمية، وإنّما هي آمالٌ وأحلامٌ لا تمت إلى الحقيقة بصلة، والسؤال هو ما سبب رواجها في منطقتنا العربية بصورة تجعلها من المسلَّمات التي تعلق عليها الآمال كثيراً؟

المنطقة العربية مملوءةٌ دائماً بالمفاجآت السياسية التي يترتب عليها عديد من التغيرات، وذلك بسبب عدم الاستقرار وغياب الشفافية والوضوح فيها، فلعلها تكون من المناطق القليلة في العالم التي لا يعلن فيها عن الأوضاع الصحية لكبار المسئولين، ولا عن التوجهات العامة للسياسات الداخلية والخارجية.

ولانعدام مراكز الدراسات والأبحاث السياسية المستقلة التي تقدّم التحليلات المستقبلية بكل حيادية وموضوعية، يبقى الجمهور العربي مغيباً عن فهم ما يدور، وبالتالي يفاجأ بأي تحول أو تغيير سياسي، ويبقى أسيراً لمثل هذه التنبؤات والتخرصات.

لا توجد في منطقتنا العربية أيضاً حرية للرأي والتعبير يمكن من خلالها قراءة الأحداث والتطورات بصورة علمية ومنطقية ودقيقة، كما أن الأمور تجري في سرية تامة وتكون كلها عرضةً للمفاجآت، ولا تخضع لأية حسابات أو تقديرات واضحة.

وعلى الصعيد الفردي يعيش الواحد في منطقتنا العربية حبيس تطلعاته وطموحاته وآماله التي لا يرى فيها أفقاً للتحقق، ما يجعله ينحاز لعالم الأساطير والأحلام والتنبؤات، ومتنفساً للتعويض عن أزمته لتحقيق ذاته وأهدافه.

كلنا هنا، فرداً وجماعة، يستعيض بالتنبؤات والأحلام والغيبيات عن التفكير المنطقي والتخطيط السليم والعمل ضمن رؤية واضحة وأهداف محددة. ولذا فإن فرص التقدم تكاد تكون معدومة أو محدودة للغاية سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي.

وفي حالات الإخفاق التي هي بطبيعة الحال الأكثر احتمالاً للوقوع في ظل هذه العقلية، فإن المسئولية تُلقى عادةً على الظرف الخارجي وليس الذاتي، وعلى العامل الغيبي والمجهول وليس على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الفشل.

الأحلام السائدة لدى العقل الجمعي في منطقتنا ليست وليدة تفكير ورؤية ينتج عنها سعي جاد لتحقيقها، وإنما هي وليدة عجز وقصور وفشل متراكم وهروب من الواقع البائس، ولذا فلا ينتج عنها إلا مزيد من تراكم الفشل والتراجع.

لن تنتهي ظاهرة التنبؤات وتفسير الأحلام والهروب إلى الغيبيات، إلا إذا تم تفعيل دور العقل والعلم وإطلاق الحريات ومختلف طرق الإبداع، وتعزيز الشفافية والمراجعة النقدية في مختلف المجالات.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4153 - الأحد 19 يناير 2014م الموافق 18 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:05 ص

      بما اني افكر

      هناك مبادرة الي احياء الحوار الوطني يوجد من تنبأ بالخير وفئة بالفشل وحميعهم علي صواب الي ان تأتي النتيجة

    • زائر 2 | 10:50 م

      كلام رزين

      تحليل جيد ولكن هناك أسباب أخرى لزيادة الرواج هذه الأيام فنحن في منطقة معلقة بالغيبيات وبما يعرف بالملاحم والفتن ، حيث لا زال الغالبية منا من يعتبر الكشف عن المغيبات دليل قداسة، وشهادة صدق عليها، ثم إننا نعيش شعورا نشطا باقتراب آمال موعودة فكلما كانت الأيام حبلى بالأحداث والمفاجآت كلما تسمرنا أمام قارئي المستقبل، فما الذي يمكن لفاقد الحيلة أن يفعل سوى انتظار الأمل؟ هكذا يفعل العاجزون من ذوي الأحلام

اقرأ ايضاً