العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ

أبوعالي يتتبع التربية من ابن سينا حتى أوباما

في محاضرة بمركز كانو الثقافي

ضمن الموسم الثقافي لمركز عبدالرحمن كانوا الثقافي أقام الملتقى الأهلي أمسية ثقافية حاضر فيها الأكاديمي السعودي سعيد بن عطية أبو عالي مقدما رؤيته عن «التعليم والمستقبـل» مخصصا الكلام حول الأهداف التربوية، وقد حضر الأمسية مجموعة من التربويين والمثقفين من جمهور الملتقى.

في البداية أشار أبو عالي لإجماع المفكرين على أن التربية والتعليم هما محور نهضة الأمة، وإن تاريخ المسلمين والعرب يحفظ أسماء مفكرين اهتموا بالشأن التربوي.


التوحيدي والمعرفة

واستعرض أبو عالي بعض آراء فلاسفة التربية وعلماء الاجتماع وخبراء التعليم، فبينما يرى أبو محمد الحسن الرامهرمزي، أن الهدف من التعلُّم يتلخص في نيل شرف أهل العلم والقيام بدورهم في تبليغ العلم إلى الناس ونيل المتعلم شرف المنافسة في التحصيل العلمي إلى جانب السلوك الحسن؛ فإن أباحيان التوحيدي يؤكد أهمية تزويد الإنسان الذي يتمتع بنزوع فطري إلى المعرفة بما يلزمه من علوم الدين وأساسيات قيام الحياة الدنيا، ويؤكد أن السمو في الحياة لا يتحقق إلا بطلب العلم.

وأضاف أبو عالي أن ابن سينا، يرى أن التربية تبدأ مع الجنين وهو في بطن أمه ثم تسميته باسم حسن ثم القيام بتربيته أخلاقيا حتى يتهيأ لطلب العلم. وابن سينا في حياته العلمية الناضجة بما اشتملت عليه من قوة التفكير، وإدراك للماضي بثوابته الدينية، والمستقبل الذي ينشده لأهل عصره يؤكد رفضه المستنير لحالة الضعف السياسي والعلمي الذي بدأت تعيشه الدولة العباسية في عصرها الثاني. وهو بما بذله في سبيل طلب العلم يثبت لنا أن الدول تموت والحضارات تتهاوى، ولكن العقل يظل حيا وساميا بالفكر والنظر والتأمل.


ابن حزم تحرق كتبه

وتحدث أبو عالي عن ابن حزم الأندلسي الذي تعلم في صباه لدى المربيات العالمات من أهل بيته حتى بلغ الشباب ونبغ في علوم الشريعة، وأسس المذهب الظاهري فعاداه خلق كثير حتى ان ابن عبّاد ناصبه العداء وأحرق كتبه. فقضى بقية حياته مطاردا إلى أن مات بقريته (لبلة) التي ولد بها، ويلخص ابن حزم أهداف التربية في أن الحياة تعاون وتكافل وتكامل بين الجميع، والتعلم من أجل الحياة، وأن الثقافة أساس الحياة، وغايتها أن يعمل الإنسان بما علم مؤكدا على أهمية عدم إصدار حكم من دون إمعان النظر والمطالعة المستمرة ثم عرض أحكامه على ما تعلمه، وعلى قناعاته المستقلة، والعالم الحق دائما طالب حقيقية.

وأشار أبو عالي في ورقته إلى ما اشتهر به الغزالي من طلب العلم والتضلع في أصول الدين، وقراءة الفلسفة اليونانية والشرقية، فلمع اسمه وعرض عليه «نظام الملك» منصب التدريس بالمدرسة النظامية في بغداد إلى أن أصبح عميد المدرسين فيها، وطرح الغزالي بأفكاره التربوية في العديد من مؤلفاته، فهو يرى أن التربية ضرورية للحياة ودعا إلى تربية الطفل الذي «يولد سليم الفطرة» وهو أمانه عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة... قابل لكل ما ينقش عليه ومائل إلى كل ما يحال إليه. فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه... وإن عود الشر وأهمل... شقي وهلك»

وأشار إلى أن ابن خلدون يلخص أهداف التربية لديه في العناية بمعيشة الإنسان عيشة سوية منذ الحمل وحتى الوفاة، وتربية الملكات التي وهبها الله وأبرزها وأخصها ملكة الفكر، والتعويد على التفكير الدائم من أجل التجديد المستمر في أساليب وطرق الحياة حتى يقوم الإنسان برسالته الحضارية في عمارة الأرض.

وأشار أبو عالي إلى اتفاق السيد محمد رشيد رضا مع صديقه الشيخ محمد عبده في أن النهوض بالعالم الإسلامي يتركز على تربية صافية تعدُّ الأجيال لتحمل مسئولياتهم، وبناء المجتمع على أسس العلم والصنائع والزراعة والعمران في ضوء التمسك بنظرة الإسلام السامية بشأن كرامة الإنسان... كل إنسان. وتتلخص أهداف التربية عنده، في زرع الثقة في نفوس المتعلمين. وغرس مبادئ الحرية والعدل لدى الناشئة «فمن فقد حرية أمته فقد حرية أمن نفسه»، وتعليم الفتاة في مدارس خاصة تركز على خصوصيتها ومواهبها التي تتميز بها عن الفتيان، الأخذ بالعلوم الحديثة فيما يخص حياة الإنسان وتطوير مساراتها، تقويم اللسان العربي... وتشجيع تعلم اللغات الأجنبية.


زويل: العلم والحرية أساس التقدم

واستشهد أبو عالي برأي الحاصل على جائزة نوبل العام 1999م، أحمد زويل، في أن العلم أساس للتقدم، وأن الغنى لا يحقق التقدم، وإنما يتحقق بالعلم والتكنولوجيا، وأن الحرية ضرورية للتعلُّم والتفكير، وان المستقبل حقٌ للمجتمع القائم على المعرفة.

وتحدث أبو عالي عن كتابه (رؤية جديدة) ملخصا الأهداف التربوية بمحاكاة متطلبات العصر، والأخلاق، وأن التعليم استثمار معنوي ومادي في الحاضر والمستقبل، وتأصيل التربية المهنية حتى تخرج من حيز الاستهلاك إلى مجال الإنتاج والتقنية.

وتحدث أبو عالي عن البروفيسور هوارد غاردنر، وهو أستاذ وباحث بجامعة هارفارد، أن الإنسان لديه عدة ذكاءات هي الذكاء اللغوي، والذكاء الموسيقي، والذكاء المنطقي الرياضي، الذكاء المكاني، الذكاء الجسمي الحركي، وأن مهمة التربية هي تحقيق وتفعيل التوازن بينها لكي يتعلم الناس ما يريدون وما يحتاجون.

وتساءل أبو عالي هل التربية في بلادنا العربية اليوم تتمتع بصحة جيدة؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فهل هي تربية صحيحة؟ هل التربية تقود أجيالنا إلى مساحات جديدة من الإضافة إلى المعرفة الإنسانية؟ هل نحن نشارك العالم في سعيه الحثيث نحو توسيع المعرفة وتطبيقات النظريات على الواقع، أم إننا فقط نعيش مع هذا العالم؟ هل التربية عندنا تقود إلى احترام الآخر لأنه مخلوق كرمه الله؟ هل التربية تقود المتعلمين - من خلال ما تعلموه - إلى ابتكار مواقف جديدة؟ هل التربية عندنا تفتح آفاق المستقبل أمام المتعلمين لفك رموزه، وحل غموضه؟ ولا نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة إلا بعد استكشاف التحديات التي تقف عائقا أمام مسيرة التربية والتعليم في البلاد العربية.


أوباما: الصين أكثر أمنا

وتوقف أبو عالي مع اعتراف الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن اقتصاديات دول مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي والبرازيل وكوريا أكثر أمانا بالنسبة للأفراد العاديين كما هو الحال فيما يخص الشركات والبنوك وأصحاب رؤوس الأموال. وعزا ذلك إلى صلاحية النظام التعليمي في هذه البلاد الذي يؤهل الفرد لكي يطبق ما تعلمه في المدرسة أو الجامعة ويحوله إلى تطبيقات تكنولوجية (20) ولذلك فقد دعا إلى أن يحظى كل فرد في أميركا بتعليم جيد في كلية من أربع سنوات.


ماذا نريد من المستقبل؟

وأشار أبو عالي نحن في العالم العربي تأثرنا بنتائج الأزمة المالية العالمية على المستوى الاقتصادي، كما أن نظام تعليمنا يواجه من السابق نقصا شديدا وعجزا واضحا في إعداد الكوادر المؤهلة للإنتاج والتسويق والصيانة في أدنى مراتبها. ولذلك فإن مناهج تعليمنا ينبغي أن تتجاوب مع احتياجات الأطفال على المدى البعيد، وأن نأخذ في حسبانا ما وصل إليه العالم من إنجازات علمية معاصرة ودلالاتها في المستقبل البعيد.

وأكد أبو عالي على وجوب أن تلج الدول العربية باب التقنيات المتقدمة ليس مستهلكا فحسب، ولكن مشاركا في الأبحاث المتعلقة بالتقنية ذاتها من حيث تطويرها، ومن حيث صياغتها لتتفق مع قيمنا وآدابنا. إن المجتمع العربي اليوم بحاجة إلى أن يساهم في الثورة العلمية الهائلة. ويقضي على الفقر والجهل. ويحافظ على هويته الخاصة. والتعليم هو أفضل وسيلة لتحقيق هذه الطموحات الجمعية العربية.

وتساءل أبو عالي ماذا نريد للمستقبل؟ محددا إجابته في رسالة التربية والتعليم التي يمكن تحديدها في أهداف استراتيجية تضبط مناحي مسيرة التعليم. منها نقل التراث، وقيادة المجتمع، وتطوير الذات، والتربية على الحوار، التفكير الحر، المشاركة في حركة تقدم العلوم والتكنولوجيا، غرس حب العمل واحترام العمال، وقبول التغير والاستعداد له، والعمل بروح الفريق، وأضاف اعتقد بأننا بالاستهداء بالأهداف وبفهم عقول ومدارك طلابنا، وبالاستعداد للمشاركة مع الطلاب وأسرهم، فإن التعليم سيكون مفيدا وحافزا على تحصيل معارف أكثر وتطبيق ما يتعلمه طلابنا على مواقفهم الشخصية في سبيل تحقيق ذواتهم... بل وتقديم أنفسهم لمجتمعاتهم على أنهم يستطيعون السير بها إلى ساحات (مجتمع المعرفة).

العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً