العدد 2294 - الثلثاء 16 ديسمبر 2008م الموافق 17 ذي الحجة 1429هـ

الرضــا فـي الوطــن

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

حكي أن محاضرا رفع في إحدى المحاضرات 1000 دولار وقال: من يريد هذه؟

رفع معظم الموجودين أيديهم، فقال لهم: سوف أعطيها لواحد منكم لكن بعدما أفعل هذا، فقام بكرمشة الورقة ومن ثم سألهم: من يريدها؟

ومازالت الأيدي مرتفعة، حسنا، ماذا لو فعلت هذا، فرمى النقود على الأرض وقام بدعسها بحذائه، ثم رفعها وهي متسخة ومليئة بالتراب وسألهم: من منكم مازال يريدها؟

فارتفعت الأيدي مرة ثالثة، فقال: الآن يجب أن تكونوا تعلمتم درسا قيّما، مهما فعلت بالنقود فمازلتم تريدونها لأن قيمتها لم تنقص فهي مازالت «1000 دولار»، إن قيمة الشيء هي ما نحدده نحن وليس غيرنا، فكيف يكون الوطن في أعيننا؟ وهل نحن نعيش حالة الرضا فيه؟

يشير علماء النفس الى أن الرضا مرتبط بعنصرين أساسيين هما: الشعور بالأمان، والشعور بتحقيق الذات. والشعور بالأمان يعني عند الكثيرين أنه يأتي من إحساسهم بالقبول ممن حولهم مهما اختلفت صفاتهم الجسدية والمعنوية أو انتماءاتهم الدينية والفكرية، أما الشعور بتحقيق الذات، فيأتي من العمل والإنجاز وما قدمه الفرد في الحياة.

يعني إذا سلمنا بهذا التعريف لعلماء النفس عن الرضا، فمتى يمكن اعتبار المواطن غير راضٍ؟

المزاج السوداوي وهبوط المعنويات التي تصاحب المواطن هنا في البحرين له دلالته ويحمل أكثر من معنى وينم في الوقت ذاته عن حجم الصعوبات التي يعاني منها المواطن العادي والمواطن المهتم بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي على حدٍّ سواء، هناك إشكالية في مفهوم الرضا في الوطن على مستوى الحاكم والمحكوم، فالمواطنة هي الحب والانتماء والولاء للوطن وهو جزء متوارث من الجذور ومبني على أساس عقائدي، إذ إن حب الوطن من الإيمان وفقا للحديث الشريف، لكن الحديث عن الرضا شيء آخر، وفي الوقت نفسه هناك ارتباط لا يمكن فكّه، فقوة الوطن من قوة مواطنيه، وقوة الوطن تكمن في سيادة القانون وقوته وعدالته، والرضا ليس أنشودة يرددها البعض، بل هي شعور وإحساس ودلالات.

من الغبن أن أربط المواطنة بالرضا، وليس من العدالة في شيء أن أطالب المواطن بالرضا وهو مغيب ومقهور.

أن أعمل بإخلاص وأطالب بحقي شعار جميل ومفهوم ينبغي غرسه في الجيل القادم، لكن ذلك ليس مسوغا لأن أقبل بعمل دون قانون وأعيش دون حقوق ودون مشاركة في القرار أو ثروة، إذ إن «كل مشاركة هي شرك بالله، إلا في ثلاث: الماء والنار والمرعى»، لكن من يرضى بالمشاركة على غرار أنت بخير وأنا بخير؟

في لقاء بثته قناة «العربية» مؤخرا مع رئيسة جمعية الرضا عن الذات فاطمة الباكر عبر برنامج إضاءات، صرحت فيه بأنها كسرت ميزانها بعد أربعين سنة لكي تتخلص من عبوديته لأنه سبب رئيسي لسعادتها وتعاستها، هي ليست ضد البدانة بقدر ما هي ضد الحجم الأنموذج والذي على غراره يقاس الأصح والأمثل والأنسب وبالتالي يكسب صاحبه مزيدا من الثقة والانطلاق في الحياة دون تردد أو خجل من الذات فيحوز على الأفضلية والأسبقية، ما الذي نكسره في ذاتنا اتجاه السلطة لكي نحصل على الرضا والتوافق في الوطن؟ وما الذي تكسره السلطة والنظام من مفاهيمها المترسخة في عقليتها حول ما هية المواطن وما الذي يستحقه من استحقاقات بعيدة عن درجة الموالاة والنمطية السائدة؟

نحتاج هنا إلى تبني استراتيجية عاجلة قائمة على أساس حوار بين السلطة ومختلف تيارات المجتمع المدني من أجل الخروج برؤية وطنية تساعد الجميع للوصول إلى الرضا، فالحوار مبني على أساس الكلمة والتي هي مفتاح للتعبير عما يجول في ذواتنا، تفتح أمامنا فرصة للتلاقي، نحن مدعوون الآن للبوح بصوت عالٍ عما نخاف منه ونخشى عليه، في جو تغيب فيه الذات وتتلاشى فيه أنانية الطائفة والحسبان لضوابط القوة، لكن من يملك الجرأة، ليعلن عن أخطائه وأخطاء غيره بصورة متساوية وبعيدة عن التصيد واللعب في كسب مزيد من النقاط؟ وهل الوقت سانح للبدء في سلخ الذات بدافع الوطنية والثقة بين الجميع غائبة؟

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 2294 - الثلثاء 16 ديسمبر 2008م الموافق 17 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً